في عالمٍ مضطرب، مليء بالبشرية الملتوية واللدغات المسمومة، ويسوده القسوة والأنانية، يخرج لنا بطلٌ لا يشبه أي بطلٍ آخر: رجل يرى أفعى تحترق فيقرر، بكل سخاء، وبدافع إنساني غير مشروط أن ينقذها.
ومن أول لحظة، تبدأ الكارثة. ثم يُلدغ بشكل مؤلم وكارثي، ترسم ملامح مشهد واقعي يعيشه العديد من أصحاب القلوب الطيبة في عالم لا يقدّر الخير.
تلك اللدغة ليست مجرد جرح في الجسد، بل صفعة على الروح. كيف لشخص يفعل الخير أن يتلقى في المقابل ألمًا وخيانة؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يفجره هذا المقال، والذي يضعك أمام معضلة أخلاقية من العيار الثقيل: هل يجب أن نسمح للعالم بأن يغيّر من طبيعتنا فقط لأننا واجهنا الظلم والأذى؟
هذا الرجل، في بساطته، يذكرنا بالجنون الساخر الذي نحياه يوميًا. إنه يُلدغ، ولكنه لا يتوقف. يلدغه الواقع مرة، لكنه يظل مستمرًا في محاولة إنقاذه.
والأغرب أنه لا يُضمر للأفعى كراهية؛ يعرف جيدًا أنها تفعل ما بوسعها، تتصرف وفق طبيعتها، ولكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل يستحق العالم إنقاذه؟ هل يجب علينا أن نبقى طيبين إلى هذا الحد؟
لنعد الآن إلى ذاك المتفرج الذي اقترب ليسأل الرجل بكل بساطة: “لماذا تستمر في المحاولة؟” يا له من سؤال غبي! متفرج يقف بعيدًا، بيديه نظيفة من أي مسؤولية، ولكنه مستعد تمامًا للحكم.
هذا المشهد المتكرر في حياتنا اليومية يعكس تلك النخبة من البشر الذين يفضلون مراقبة الأحداث دون الانغماس فيها، جاهزين دائمًا لطرح الأسئلة، ولكن دون تقديم إجابات.
الرجل يجيب بجملة ملهمة تكاد تكون مؤلمة في جمالها “طبيعة الأفعى هي اللدغ، لكن هذا لن يغير طبيعتي وهي المساعدة.” هنا يكمن جوهر الجنون الأخلاقي الذي نعيشه.
إنه قرار لا يمكن فهمه إلا من أولئك الذين يشعرون بأن إنقاذ العالم ليس خيارًا بل واجبًا. الرجل يدرك أن طبيعته قد تكون نعمة ونقمة في الوقت ذاته. يواصل العطاء رغم اللدغ، رغم الألم، وربما رغم المنطق ذاته.
ولكن دعنا نتوقف لحظة. أليست هذه فلسفة مثالية، إن لم تكن ساذجة؟ كيف نسمح لأنفسنا بالاستمرار في إنقاذ “أفاعٍ” تلدغنا مرارًا وتكرارًا؟ هذه الأفاعي ليست فقط البشر الذين يؤذوننا بلا سبب، بل هي الأنظمة الفاسدة، هي المؤسسات التي تسحق الروح الإبداعية، هي الأصدقاء الذين يخونون، هي العائلة التي تضع خناجر في ظهورنا بينما نفتح لهم قلوبنا.
أحيانًا يجب أن نتساءل بجدية: هل حقًا علينا أن نستمر في المحاولة؟ هل الطيبة تستحق كل هذا العناء؟ أم أن السذاجة هي فقط الوجه الآخر للطيبة؟ الرجل في هذا المثال هو شخص مُخلص، وربما أيضًا غبي. فهو لا يعرف متى يتوقف، لا يعرف متى يقول “كفى”. هذا ليس دليلاً على النبل، بل هو مأساة شخصية.
نحن نعيش في عالم لا مكان فيه للأبطال الطيبين. القوة في هذا العالم تكمن في الخداع، في الدهاء، في القدرة على توجيه الضربات دون أن تتلقى واحدة في المقابل.
إذا كنت طيبًا في هذا العالم، فستكون دائمًا الضحية. هذه هي الحقيقة القاسية التي لا نريد الاعتراف بها. ولكن لا، لا يجب علينا أن نتخلى عن قلوبنا الطيبة. علينا فقط أن نتعلم كيف نحمي أنفسنا.
نعم، لا يجب أن نسمح للألم بتغيير جوهرنا، لكن في الوقت نفسه، لا يجب أن نكون عميانًا عن الحقيقة. العالم مليء بالأفاعي، ولا يمكنك دائمًا أن تعتمد على قضيب معدني لإنقاذ نفسك. عليك أن تكون ذكيًا بما يكفي لتعرف متى تنقذ الأفعى ومتى تتركها لتحترق.
فالفارق بين الإنسان الساذج والإنسان الحكيم هو أن الأخير يعرف كيف يحمي نفسه دون أن يتخلى عن إنسانيته.
السؤال يبقى مفتوحاً: هل يجب علينا أن نتمسك بطيبتنا حتى لو كلفنا ذلك الألم؟ أم أن الحفاظ على النفس يتطلب أحيانًا التخلي عن بعض من تلك الطيبة؟ في هذا العالم الذي يزداد قسوة، ربما يكون التوازن هو الحل. نعم، كن طيبًا، لكن كن أيضًا حذرًا.