ثقافة وفنونمقالات ورأى

هلال عبدالحميد يكتب: يوسف عبداللطيف دون كيشوت الصعيدي !

اعرف يوسف عبداللطيف منذ كنت مراسلًا لجريدة “الأهالي” اليسارية بأسيوط وكنت اغطي جلسات المجلس المحلي لمحافظة أسيوط

وكان عبداللطيف عضوًا بالمجلس وفوجئت بانتخابه رئيسًا للجنة الإدارة المحلية وكان ممثلًا لحزب الوفد وكان الوفد معارضًا بشكل معقول وقتها وليس كما هو الآن

وربما كانت رئاسة يوسف للجنة الإدارة المحلية بمجلس محلي المحافظة يعود لمشاغباته السياسية من ناحية ولأن محمد عبدالمحسن صالح أمين عام الحزب الوطني ورئيس المجلس الشعبي المحلي للمحافظة بأسيوط وقتها كان يتمتع بحس سياسي مكنه من القدرة على إجراء التفاهمات السياسية وعمل توازنات

فأنا ومجموعة من الشباب في 1997 ترشحنا في مركزنا وزوروا ضدنا وأسقطونا ولجأنا للحقوقي العظيم أحمد سيف والد علاء عبدالفتاح المسجون ظلمًا حتى الآن

وتمكن من الحصول على حكم بحل المجالس المحلية وتم تنفيذه بالفعل في الانتخابات بعدها لم يزوروا ضدنا ونجحنا في دورة 2002 و2008 حتى استقالتنا مع ثورة يناير

ويبدو ان محمد عبدالمحسن صالح أخذ قرارا في 2002 ” دعهم يمرون مش ناقصين وجع دماغ ” ونجح يوسف عبداللطيف في دورة 2008 مع مجموعة من الوفد والتجمع بتمرير من القائمين على الأمر وقتها

يوسف المشاغب

كان عبداللطيف يتميز بنوع من الشغب السياسي ويتميز بمعارضته الساخرة ولكنني لم اكتشفه كأديب إلا مؤخرًا وأنا بحكم دراستي للنقد الأدبي بكلية دار العلوم قرأت بعضًا من مجموعاته القصصية كقاريء ثم كناقد فشدني أسلوبه الفنتازي الساخر

وكما هو في السياسة مشاغبًا وغير مهاود وغاوي مشاكل وميعجبوش العجب فقد اكتشفته في عالم الأدب شبيهًا ببطل رواية الكاتب الأسباني الأشهر سيرفانتس ” دون  كيشوت ” الذي ظل طوال حياته يحارب طواحين الهواء وهكذا يفعل عبداللطيف في حياته وفي عمله السياسي والحزبي وفي الأدبي أيضًا

يوميات مشاغب

كان آخر انتاج أدبي لـ يوسف عبداللطيف مجموعته القصصية “يوميات مشاغب” والتي  أصدرها منتصف هذا العام وهي  مجموعة ربما تلخص عنوان مقالي فـ “علي الصعيدي”  مع مجموعة من أصدقائه يخوضون مغامرات دون كوشتيه بقريتهم الصعيدية وفي 15 قصة قصيرة يخرج عبداللطيف من مغامرة لأخرى ويأسلوب ساخر مغامر ينقلنا من قصة خيالية لأخرى

ومن القصة الأولى ” يوميات الصعيدي المشاغب ” وحتى القصة الثالثة  ” ليلة الأرواح ”  يعتمد  القاص على عنونة القصة الواحدة بعدة عنوانين وهذا قد يربك القاري قليلًا ويجعله لا يفرق بين القصة القصيرة واجزائها ولا أعرف هل كان القاص يقصد إدخال قاريء قصصه في متاهة مقصودة كمضمون القصص نفسها فتتحول المتاهة للشكل بعد ان كانت في المضمون

وبداية من القصة الرابعة “مغامرات علي في أرض العجائب” يبدأ عبداللطيف أسلوبًا جديدًا فيحول قصصه لفصول وكأنها مسرحيات وهذا أسلوب جديد لم اعهده فيما قرأت من قصص قصيرة طوال حياتي ومرة أخرى لا أعرف لمَ اعتمد عبداللطيف هذا الأسلوب الفريد في شكل القصة القصيرة ؟!

هل هذا نوع من المشاغبة القصصية وخروج عن المألوف وعن القوالب القصصية المتعارف عليها بين النقاد والقصاصين ؟! ربما فهذا يتناسب مع شخصية عبداللطيف السياسية والحياتية فكل حياته صراع مع المألوف لدرجة مقلقة ومربكة وعنيدة.

ومن المغامرات” الدينكوشتية” لـ عبداللطيف  اختيار بطل واحد لكل المجموعة القصصية الـ “15” فبطل القصص كلها ومحورها هو “علي” الشاب الصعيدي المغامر وهذا أسلوب متفرد في الأسلوب القصصي.

فالمجموعة القصصية في الأساس تتميز عن الرواية بأن المجموعة لكل قصة قصيرة شخصيات مختلفة عن غيرها بينما الرواية أشخاصها هم أنفسهم في كل الرواية سواء أكان البطل أو مجموعة الشخصيات تنمو الشخصيات وتتطور منذ البداية وحتى النهاية  والأمر كذاك في المسرحية

فماذا كان يقصد القاص في جعل ” علي” هو بطل كل قصصه الـ “15” ؟!!! أنا مؤمن بأن الأدب جزء  من شخصية الأديب وقبس من روحه ومن غير المناسب أن يتحول النقد لمعادلات منطقية تطبق على كل النصوص الأدبية من الجنس  الأدبي وهذا بالضبط ما حاول دعاة الشعر العمودي تطبيقه على الشعر فأخرجوا شعر التفعيلة من دائرة الشعر ولكن الأدب الحقيقي دومًا ما يفرض نفسه

واعتقد أن مجموعة عبداللطيف على الرغم من أنها مجموعات قصصية قصيرة إلا أنها تدور في إطار درامي متصاعد يتمحور حول شخصية على المشاغب المغامر المثير للمشاكل والذي اضحى شخصية  مؤثرة بمجتمه

ولذا فالعمل دمج ما بين روح القصة القصيرة وشكل الرواية وفصول المسرحية في تماهٍ مع شخصية يوسف عبداللطيف المتنوعة الثرية المشاغبة المندفعة الخارجة عن المألوف المثيرة للمتاعب له ولمن حوله

تمكن عبداللطيف من استخدام الخيال الجامح ليثير فينا روح المغامرة ويشدنا لقراءة مجموعته بشكل لاهث فنجح في جرجرتنا وراءه قصة وراء قصة في زمن عزت فيه القراءة وأمسينا نميل للمشاهدة والسماع أكثر من القراءة

مما جعل كثيرين من الكتاب يحولون أعملهم للشكل المسمع وأصبحت هناك تطبيقات تحول النص المكتوب لنص مسموع ناهيك عن انتشار تطبيقات الفيديوهات وتحول الناس لليوتيوب والتيك توك وتخول الفيس بوك نفسه لخاصية ” الريلز “

فكيف نجح عبداللطيف في جعلنا نلتهم 100 صفحة كاملة ؟!!

نجح عبداللطيف في جرجرتنا معه لمغامراته الأسطورية الطفولية بحكاياتها الغريبة

المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى