تتفاقم مشكلات قطاع الكهرباء في مصر بشكل غير مسبوق، حيث أظهرت تقارير رسمية وفتاوى قانونية مدى التقاعس والفساد الذي يحيط بـ”الشركة القابضة لكهرباء مصر” والشركات التابعة لها، مما أدى إلى هدر مالي واسع وإساءة استغلال موارد الدولة.
في ظل هذا الوضع المزري، نجد أن الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء تتغاضى عن اتخاذ خطوات جادة لوقف هذا النزيف المالي وتحقيق الإصلاحات اللازمة، مما يثير تساؤلات حول مدى تورط تلك الجهات في دعم الفساد بدلاً من محاربته.
حكمت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بقرار حاسم حول معاملة رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لكهرباء مصر والشركات التابعة لها، حيث انتهت إلى عدم جواز معاملة رئيس مجلس الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة بالشركات معاملة العاملين العاديين.
وأكدت الفتوى أنه ليس لهم الحق في الحصول على المنح والمكافآت المخصصة للأعياد والمناسبات التي يتقاضاها العاملون بالشركات، إذ أن علاقة رئيس وأعضاء مجالس إدارات الشركات ليست علاقة عمل بل هي علاقة وكالة.
ما يثير الدهشة في هذا السياق هو تجاهل الشركة القابضة والشركات التابعة لها لفتوى مجلس الدولة. وبالرغم من أن القانون نص بوضوح على أن أعضاء مجلس الإدارة المنتدبين يتقاضون راتبًا مقطوعًا مقابل ما يقومون به من أعمال، إلا أن مجلس إدارة الشركة القابضة قد قرر في اجتماعه رقم 49 لسنة 2008 منح رئيس مجلس الإدارة مكافأة تعادل شهرًا من راتبه، وهو قرار يتنافى تمامًا مع فتوى مجلس الدولة الصادرة والتي أكدت عدم جواز حصول هؤلاء المسؤولين على مكافآت إضافية.
يتضح من هذا القرار الصادر عن الشركة القابضة أنها اختارت بوضوح تجاهل نصائح الفتاوى القانونية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للشك في نزاهة الإجراءات المتبعة داخل هذه الشركات.
هذا التجاهل يمثل إهدارًا واضحًا لأموال الدولة، مما يدفع بالمراقبين إلى التساؤل حول مدى تورط المسؤولين في عمليات الفساد والتلاعب بمخصصات الدولة.
الإدارات العليا داخل “الشركة القابضة لكهرباء مصر” لا تزال تتبع سياسة اللامبالاة فيما يتعلق بتحقيق العدالة المالية بين العاملين وأعضاء مجالس الإدارة، وتتمسك بسياسات مالية تضر بالمصالح العامة وتعمق أزمة الفساد المالي.
بدلاً من السعي لرفع كفاءة الأداء وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، نجد أن الشركات التابعة تستمر في هدر موارد ضخمة على منح ومكافآت غير قانونية، وذلك في ظل عدم وجود أي رادع فعلي من الجهات الرقابية.
من جهة أخرى، يظهر التقاعس الواضح من قبل وزارة الكهرباء والحكومة المصرية في اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذه التجاوزات، مما يضع الحكومة في موقف المتواطئ مع الفساد.
فالأجهزة الرقابية لم تتحرك بالشكل المطلوب لمحاسبة المسؤولين عن تلك التجاوزات، بل يبدو أن هناك تواطؤًا واضحًا بين مختلف الجهات المسؤولة عن إدارة قطاع الكهرباء.
الأزمة لا تتوقف عند مخالفة الفتاوى القانونية، بل تمتد إلى مشكلات أعمق تتعلق بإهدار المال العام وسوء الإدارة. فلا تزال العديد من المشروعات المتعثرة داخل قطاع الكهرباء تسير ببطء شديد، وسط إهمال واضح من المسؤولين الذين ينفقون الأموال على مكافآت وامتيازات شخصية بدلاً من توجيهها لتحسين بنية الكهرباء التحتية أو تطوير شبكات التوزيع.
من خلال الاطلاع على الوضع المالي لشركات الكهرباء نجد أن الهدر المالي يتفاقم يومًا بعد يوم. فالأموال التي يتم صرفها على رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات تجاوزت الحدود المقبولة، حيث تم رصد العديد من الحالات التي حصل فيها هؤلاء المسؤولون على مكافآت تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات سنويًا.
وفي المقابل، يعاني العاملون في نفس الشركات من تدني رواتبهم ومستوى معيشتهم، مما يعكس مدى الظلم والتفرقة الواضحة في إدارة هذه المؤسسات.
أما بالنسبة للحكومة المصرية، فالتساؤلات المطروحة لا تتوقف عند حدود الصمت على هذه التجاوزات، بل تتعمق حول مدى التزامها الفعلي بمحاربة الفساد وتحقيق الشفافية.
فإذا كانت الحكومة جادة في التصدي للفساد داخل قطاع الكهرباء، فلماذا لم تتحرك الجهات الرقابية حتى الآن لمحاسبة المتورطين؟ ولماذا يتم التغاضي عن فتوى مجلس الدولة التي وضعت حلاً قانونيًا واضحًا لمنع استغلال السلطة والنفوذ في تحقيق مكاسب غير مشروعة؟
المواطن المصري، الذي يتحمل عبء انقطاعات الكهرباء المتكررة وارتفاع فواتير الكهرباء دون تحسين فعلي في الخدمات، يشعر بالغضب إزاء هذا الوضع. فمن غير المقبول أن يتم إهدار أموال الدولة في مكافآت غير مستحقة بينما يتم تجاهل مشكلات المواطنين اليومية.
هذا الوضع يعكس حجم الفجوة بين ما تحتاجه البلاد من إصلاحات حقيقية وما يتم فعليًا على أرض الواقع من ممارسات فاسدة وتلاعب في الموارد.
فإن “الشركة القابضة لكهرباء مصر” والشركات التابعة لها تعاني من فساد متأصل وإدارة مالية كارثية، مما أدى إلى هدر ضخم في موارد الدولة.
ورغم صدور فتاوى قانونية واضحة من مجلس الدولة تمنع تجاوزات رؤساء الشركات وأعضاء مجالس الإدارات، إلا أن تلك الفتاوى تم تجاهلها بشكل كامل، وهو ما يعكس حجم التواطؤ والفساد المستشري داخل هذه المؤسسات.