تقاريرمصر

محطات الكهرباء في مصر: مصائد موت بفعل فساد الحكومة والشركة القابضة للإنتاج

إن مشهد الإهمال والتقصير في محطات الكهرباء في مصر يواصل كشف أبعاد مأساوية يذهب ضحيتها أرواح العاملين ويُهدَر فيه المال العام على حساب أرواح البشر.

تعد محطات الكهرباء في مصر اليوم محلاً للمخاطر والفساد نتيجة غياب الإجراءات الاحترازية والأمن الصناعي، الذي يتحول إلى إجراء شكلي دون فاعلية تذكر.

الوقائع المتكررة التي أودت بحياة العديد من العاملين في القطاع الكهربائي تُظهر بوضوح قصوراً فادحاً في تطبيق معايير السلامة المهنية مما يتطلب تحقيقات جدية في تقاعس الحكومة وفساد الإدارات المعنية.

في حادثة محطة الكريمات التابعة لشركة كهرباء الوجه القبلي، والتي تقع تحت مظلة الشركة القابضة لكهرباء مصر، لقي اثنان من العاملين حتفهم وأُصيب أربعة آخرون جراء حادث عمل ناتج عن الإهمال في إجراءات الأمن الصناعي.

الحادث كشف عن إصدارات أوامر شغل دون اعتماد من مسؤولي الأمن الصناعي بالمحطة، حيث تبين أن أمر الشغل الخاص بالحادث، الذي حصلنا على نسخة منه، كان خاليًا من توقيع المسؤولين المختصين. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تحديد بنود العزل والمواد الواجب استخدامها، وهو ما يعكس إهمالاً متعمداً من قبل المسؤولين عن التأكد من سلامة الإجراءات داخل المحطة.

وفي ظل هذا الوضع المأساوي، نجد أن تقاعس الشركة القابضة للكهرباء ووزارة الكهرباء عن اتخاذ إجراءات حازمة يشير إلى فساد ممنهج في تطبيق معايير السلامة في هذه المحطات. في هذا السياق، يكشف الموظفون العاملون في القطاع الكهربائي عن الضغط المستمر الذي يتعرضون له، مما يعرقل قدرتهم على التأكد من أن الإجراءات المتبعة تضمن حماية العاملين. أحد موظفي الأمن الصناعي في محطة الكريمات صرح قائلاً: “ضغط العمل لا يتيح لنا التأكد من سلامة الإجراءات بعد مقتل اثنين وإصابة أربعة آخرين في الحادث”. هذا التصريح يكشف عن حالة الإهمال والتجاهل المستمر لحياة العاملين في القطاع.

ليس الحادث في محطة الكريمات هو الأول، فقد تكرر هذا الإهمال مرارًا. حادث محطة التبين في أكتوبر 2012، الذي أسفر عن خسائر مالية ضخمة تقدر بحوالي نصف مليار جنيه، هو مثال آخر على تقاعس الوزارة والشركة القابضة عن محاسبة المسؤولين عن الأخطاء.

رغم أن رئيس الشركة القابضة للكهرباء، المهندس جابر دسوقي، صرح بأن التحقيقات في الحادث مستمرة، إلا أنه اكتفى بالكلمات دون أي إجراء حقيقي يعيد حقوق الضحايا.

في محطات الكهرباء، يظل الموظفون عرضة للخطر بسبب غياب الرقابة وغياب المحاسبة. ففي حادثة أخرى، اكتشفنا أن المهندس هاني محمد علي، الذي كان مسؤولًا عن صيانة محطة الكريمات ولم يوقع على أمر الشغل الذي أودى بحياة العاملين، تم ترقيته ليصبح مديرًا عامًا للصيانة في قطاع نظم المعلومات، رغم سجل من العقوبات السابقة.

كذلك، تم ترقية المسؤول عن فكرة توصيل الكابلات الهوائية، التي أدت إلى وفاة اثنين من العاملين، ليشغل منصب نائب رئيس شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء.

هذه الوقائع لا تقتصر على إهمال الإجراءات فقط، بل تصل إلى محاباة الفاسدين داخل النظام، حيث يتم مكافأتهم بالتعيينات والترقيات بدلاً من محاسبتهم.

رئيس قطاع النظم والاتصالات الذي كان مسؤولاً عن المشروع الذي أفضى إلى الحادث تم ترقيته كذلك، وهو ما يعكس العقلية المتساهلة التي تحكم هذه القطاعات في مصر.

ورغم التصريحات العديدة من المسؤولين عن ضرورة الالتزام بمعايير السلامة المهنية، لم نرَ أي تحرك حقيقي لمحاسبة المسؤولين عن هذه الحوادث.

حيث يُكتفى بإصدار قرارات جزائية خفيفة، مثل خصم أيام قليلة من الراتب، بينما لا يتم التعامل مع الفساد المستشري في الإدارة بأية حزم.

ما يثير الاستغراب أكثر هو الصمت المطبق من الحكومة ووزارة الكهرباء عن كشف الفساد داخل شركات قطاع الكهرباء، حيث لا تزال الكثير من الممارسات الفاسدة في إدارة الشركات التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر مستمرة.

هذه الشركات باتت مرتعًا للفساد والمحسوبية، حيث يتم تعيين قيادات متورطة في قضايا فساد وتخصيص الأموال لدعم شبكات ومحطات كهرباء قديمة دون التجديد أو التحديث اللازم.

من المؤسف أن الفساد في هذا القطاع بات منظومة متكاملة تعرقل تطور قطاع الكهرباء في مصر وتعرض حياة العاملين للخطر. تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أشار إلى وجود العديد من المخالفات، لكن لا يبدو أن هناك أية نية حقيقية لإصلاح هذا الوضع.

كما أن قانون قطاع الأعمال رقم 203 لسنة 1991، الذي يدير شركات الكهرباء وغيرها من الشركات القابضة، يعطل أي محاولة لمحاكمة المسؤولين عن الفساد، حيث يضمن هذا القانون بقاء رؤساء الشركات مدى الحياة ويمنع الأجهزة الرقابية من التدخل الفاعل.

إن الوضع الحالي في قطاع الكهرباء في مصر يشير إلى أن الحكومة والشركة القابضة للكهرباء لم يعد لديهم أي التزام حقيقي بحياة العاملين أو بصحة القطاع.

استمرار هذه الأوضاع غير المقبولة يتطلب تدخلًا سريعًا من القيادة السياسية في البلاد، لفتح تحقيقات حقيقية ضد الفاسدين، وإقالة القيادات المتورطة، وتطبيق قانون يضمن مصلحة الوطن ويوقف هدر المال العام.

المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى