مقالات ورأى

لواء دكتور محمد الحسيني يكتب: نعيش بين الأفاعي والذباب .. فاختَر طريقك

في هذا العالم الذي يعج بالمفارقات المذهلة، حيث أصبح كل شيء قابلًا للبيع والتشويه، يقف الإنسان في مفترق طرق، عائشًا بين عالمين متناقضين.

في هذا المكان الذي تحول فيه الضمير إلى مجرد ذكرى عابرة، نجد أن السارق ينام بلا قلق، والمسؤول الفاشل ينام بلا ألم، والسياسي المنافق يظل في رحلة بلا نهاية من النفاق والكذب، بينما يضيع الكثير منا في كيفية التعامل مع أبسط الأمور، كإلقاء القمامة في المكان المناسب.

لا أحد يتساءل كيف لنا أن نختار الشخص المناسب في المكان المناسب؟ ففي مجتمع يضم هذا النوع من البشر، أصبح واضحًا أن كل شيء بدأ يفقد معناه، وبدأنا نغرق في أوهام أننا على الطريق الصحيح.

تكثر في بلادنا هذه الأيام الازدواجية في المعايير. الكل يلبس قناعه الخاص، يتظاهر بالقدرة على الإبداع، ويختفي خلف ألوان زاهية من الوعود الزائفة.

فالمجتمع يتفاخر بالملابس التي تكشف أكثر مما تعطي، ظانًا أن الجمال يكمن في المظهر الظاهري. ولكن الحقيقة، التي يغفلها الجميع، هي أن تلك الملابس العارية لا تدل على جمال أو أنوثة، بل هي دليل على أن المنزل خالٍ من الرجال، منزل يبحث عن شيء يملأ فراغه، شيء لا يستطيع إيجاده في الداخل.

إذا كانت العقول قد سُلبت إلى هذا الحد من المادية، فماذا ننتظر من أصحاب المناصب الذين يحملون مسؤولياتهم على أكتاف خاوية؟ هم لا يراودهم أدنى شعور بالمسؤولية، ويعيشون في فقاعة من الرفاهية التي لا تلامس أرض الواقع.

أين هم من همسات الضمير، من القيم، من الخير؟ إنهم يراهنون على الجهل واللامبالاة، فحينما ينعم المسؤول في السلطة والمال، يظل الفقراء يعانون تحت وطأة الأيام الثقيلة، محاطين بالفوضى والمشاكل اليومية.

هل تظن أن الجميع يملك ذات القدر من الضمير والإنسانية؟ بالطبع لا. فبيننا يعيش ذباب يلوث كل شيء. فمثلما هو الحال في الطبيعة، يختلط النحل بالذباب، وهنا نجد الفرق جليًا بين من يسعى للمصلحة العامة وبين من يضيع وقته في النكاية بالآخرين.

النحل، الذي يعيش في مجتمعات مترابطة ونظيفة، يعطينا العسل، الذي يحمل شفاء لكل الأمراض. أما الذباب، الذي يختار قذارة الأماكن، لا يعطي إلا المرض. بل إن الذباب يمتص الحياة من كل شيء حوله. أليست هذه هي صورة واقعية لمجتمعاتنا؟

أولئك الذين يلتزمون بتعاليم الله ورسالاته هم النحل، بينما الذين يتخذون الفوضى طريقًا لهم ويستغلون الآخرين هم الذباب. أيهما تختار أن تكون؟ إن كانت الإجابة واضحة، فما هو الطريق الذي يجب أن نسلكه للخروج من هذا المستنقع؟

لقد اخترت أن أعيش في عالم يتبنى الضمير، أن أكون شخصًا لا يتأثر بتصرفات الأفاعي. وفي زمنٍ أصبح فيه الخداع والخذلان شريعة، علينا أن نتعلم ألا نغير طبيعتنا الإنسانية. فكثيرون هم الأفاعي الذين يعيشون بيننا، يلسعون بسمهم السموم في كل مكان، ويتخفون في ثنايا حياتنا.

من يظن أن الأذى سينتهي بمجرد تجنبنا له، فهو مخطئ. الأفعى لا تقتصر على أن تلدغ في لحظة، بل هي قادرة على أن تظل تلعب بمشاعرنا وتزعزع قناعاتنا. لكن الإنسان، الذي يتشبث بقيمه وطيبته، لا يجب أن يتغير مهما كانت الظروف.

كما فعل الرجل الذي أنقذ الأفعى رغم أنها لدغته. لا يجب أن نترك الأذى يغير من طبعنا. هذه هي الإنسانية الحقيقية. فلنستمر في مساعدتنا للآخرين، مهما كانت العواقب، لأن الرحمة لا تأتي إلا من قلب مليء بالسلام الداخلي، ولن يحيد عن هذا الدرب إلا أولئك الذين تتبدل قيمهم وفقًا للمصالح الشخصية.

في هذا العالم المضطرب، علينا أن نختار الطريق الذي لا يجعلنا مثل الذباب. لنضع أيدينا في أيدٍ تستحق العون، ولنختار النحل كقدوة لنا. الأفعى لن تكتفي بدغتنا مرة واحدة، بل ستظل تطاردنا. ولكن دعونا نتذكر أن الإنسانية هي الأمل الوحيد الذي يظل دائمًا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى