فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة في وسط الصعيد: نهب المال العام في عزبة مكاوي
في واحدة من أفظع صور الفساد الإداري والمالي التي قد تشهدها الثقافة في مصر، يواصل إقليم وسط الصعيد الثقافي سيره في طريق المحسوبية والسرقة الممنهجة للمال العام تحت أعين المسؤولين الذين لا يخفون تواطؤهم أو تقاعسهم.
ومن بين أسوأ الأمثلة على هذا الفساد ما يحدث داخل قصر ثقافة جمال عبد الناصر في قرية بني مر التابعة لمركز الفتح بمحافظة أسيوط، حيث يتم استنزاف المال العام بأبشع الطرق الممكنة، بل وتتم سرقته علنًا في ظل غياب الرقابة والمحاسبة.
يبدأ الفساد من تلك الزيارة الشهيرة التي قامت بها وزيرة الثقافة السابقة الدكتورة إيناس عبد الدايم إلى أسيوط في يوم الأحد 7 أكتوبر 2018، وذلك لافتتاح قصر ثقافة جمال عبد الناصر في مسقط رأسه بقرية بني مر.
كانت الزيارة حافلة بالشكر والثناء من جانب مسؤولين محليين ودولة على الدور الذي لعبه ضياء مكاوي، مدير عام فرع ثقافة أسيوط والقائم بأعمال رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي، لكن الواقع الذي تم التغطية عليه هو أن هذه الزيارة كانت مجرد استعراض إعلامي هدفه التستر على الفساد المتفشي في هذا الصرح الثقافي.
ففي منشور رسمي صدر عن قصر ثقافة جمال عبد الناصر، تم توجيه الشكر والتقدير إلى “أستاذنا الفاضل” ضياء مكاوي على “جهده العظيم المبذول في إمداد القصر بكراسي جديدة ومتميزة”، وهي الكلمات التي تكشف عن فشل ذريع في تقدير الأولويات.
هل كانت الكراسي الجديدة هي أكثر ما يحتاجه قصر ثقافة يحمل اسم جمال عبد الناصر؟ بالطبع لا، إلا أن هذا المنشور كان وسيلة لتلميع صورة المفسدين وإخفاء الفساد المستشري في كل زاوية من زوايا القصر، الذي كان من المفترض أن يكون منارة ثقافية، لكنه أصبح مجرد حلبة للمحسوبية والسرقة.
ما يحدث في قصر ثقافة جمال عبد الناصر ليس مجرد إهمال أو تقصير، بل هو عملية ممنهجة لإهدار المال العام. تم بناء هذا القصر بتكلفة تصل إلى 21.9 مليون جنيه على مساحة 1200 متر مربع، وهذه الأموال كان من المفترض أن تُستثمر في تحسين الخدمات الثقافية في منطقة صعيد مصر.
لكن الواقع يكشف عكس ذلك تمامًا، حيث تم تخصيص هذه الأموال بشكل غير قانوني وغير شفاف لتحقيق مصالح شخصية وأغراض سياسية.
لننظر مثلاً إلى البناء والتجهيزات داخل القصر. القصر يضم مسرحًا يتسع لـ 145 مشاهدًا، لكن هل يتوافق هذا المسرح مع المعايير التي ينبغي أن يتحلى بها أي مركز ثقافي؟ الجواب ببساطة: لا.
فبينما يتم الحديث عن تطوير البنية التحتية للقصر، نرى أن معظم هذه الأموال تم هدرها على تحسينات غير ضرورية أو تضخيم مشاريع لا تخدم العمل الثقافي بشكل حقيقي.
في الوقت نفسه، يتم تجاهل احتياجات أكثر أهمية من بينها رفع مستوى العمل الثقافي، وتوسيع نطاق الأنشطة الثقافية التي يمكن أن تعود بالفائدة على أبناء المنطقة.
وفي الوقت الذي يتم فيه الحديث عن إمداد القصر بكراسي جديدة، يبقى الوضع داخل القصر كما هو، بل تزداد الأمور سوءًا. فالمرافق الموجودة داخل القصر بما في ذلك المكتبة العامة ونادي المرأة، لا تعمل بالشكل الذي من المفترض أن يتم فيه الاستفادة منها.
يقال إن هناك قاعة للندوات، لكن من يحضر هذه الندوات؟ وهل فعلاً يتم تنظيم فعاليات ثقافية هادفة أم أن هذه الفعاليات مجرد شكلية في إطار تلميع صورة المسؤولين؟
إن ما يحدث في قصر ثقافة جمال عبد الناصر ليس مجرد تقصير من جانب المسؤولين، بل هو فضيحة بكل معنى الكلمة.
ومن المؤسف أن بعض هؤلاء المسؤولين يحاولون إخفاء هذا الفساد من خلال إظهار أنفسهم كأبطال ثقافة وصناع تغيير، بينما هم في الواقع مجرد أدوات لسرقة الأموال العامة وإثراء أنفسهم على حساب الثقافة والفن في مصر.
من بين الأسماء التي يمكن توجيه اللوم لهم في هذه الفضيحة نجد الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة، الذي تم توجيه الشكر له على “تلبيته لاستبدال كراسي المسرح”، في حين أن هذه الكراسي لم تكن سوى جزء من عملية كبيرة للتمويه على الفساد.
كما لا يمكن أن نغفل دور الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، الذي تم الإشادة به على “اهتمامه بالبنية التحتية”.
ولكن الواقع أن البنية التحتية هي التي تم هدرها بالكامل على مشاريع غير مجدية، دون أن يتم توفير الدعم اللازم لتطوير الأنشطة الثقافية التي من المفترض أن تحقق أهداف القصر.
ويُضاف إلى ذلك أن جميع المسؤولين الذين تم ذكرهم في التقارير لا يتركون فرصة إلا ويستغلونها لتوجيه الشكر لبعضهم البعض في عملية تمويه بشعة على الفساد المالي والإداري.
هؤلاء المسؤولون لم يكن لهم أي دور حقيقي في تحسين وضع الثقافة في الصعيد، بل كل ما قاموا به هو تبرير التدهور المستمر.
لقد أصبح واضحًا أن إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة وإقليم وسط الصعيد الثقافي تحت قيادة ضياء مكاوي هي مجرد أداة لاستمرار الفساد والإفساد في المؤسسات الثقافية. فما يحدث في هذه الهيئات هو نهب منظم للمال العام لا يعد ولا يحصى، وغياب الرقابة والمحاسبة يزيد الطين بلة.
إن الوضع الحالي يحتاج إلى تصحيح جذري، فلا يمكن أن يستمر هذا الفساد في العيش بحرية على حساب الثقافة والشعب المصري.
ويجب أن يكون هناك محاسبة حقيقية لجميع المتورطين في هذه الشبكة الفاسدة. فالمواطنون في صعيد مصر يستحقون أن يروا أموالهم تُستثمر في مشاريع ثقافية حقيقية تُسهم في تحسين حياتهم، وليس في مشاريع فاشلة أو وهمية يتم استغلالها من أجل مصالح شخصية.