وصل وفد رفيع من حركة حماس إلى العاصمة المصرية القاهرة في إطار مفاوضات حاسمة تأمل الحركة أن تفضي إلى إنهاء الحرب المدمرة التي تشهدها المنطقة في سياق متصل بمحاولات البحث عن حلول للتهدئة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
الوفد الذي يرأسه خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، يأتي تلبية لدعوة رسمية من السلطات المصرية، التي تسعى إلى دفع جهود الوساطة قدما في سبيل التوصل إلى اتفاق يفضي إلى إنهاء العدائيات بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي.
مصادر مطلعة في حركة حماس أكدت أن الزيارة تأتي في إطار مناقشة عدد من الأفكار والمقترحات الجديدة التي أعدتها مصر، بهدف وقف الحرب وبدء مسار تبادل الأسرى بين الطرفين المتنازعين.
وأكد قيادي في حماس، في تصريحاته لوكالة فرانس برس، أن الوفد سيجري محادثات مع رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد بالإضافة إلى مسؤولي ملف الوساطة مع الاحتلال الإسرائيلي. المفاوضات ستكون محوراً لبحث مجموعة من الأفكار الجديدة التي تتعلق بوقف الحرب وتبادل الأسرى، وهي ملفات رئيسية تؤرق الشارع الفلسطيني الذي يعاني من تداعيات الحرب. القيادي أكد أن حركة حماس منفتحة على جميع الأفكار التي يمكن أن تؤدي إلى وقف فوري للعدائيات، مشدداً على أهمية انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من القطاع بشكل تدريجي وعودة النازحين الفلسطينيين إلى ديارهم. إضافة إلى ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، وهو أمر طال انتظاره بعد أن أغلق الاحتلال المنافذ الرئيسية لدخول المعونات الأساسية إلى القطاع.
ورغم هذه الانفتاح على الحوار، أصر المصدر على أن حركة حماس لم تتلق حتى اللحظة أي عرض أو اقتراح جديد من الطرف المصري أو أي جهة وساطة أخرى. لكن الحركة مستعدة لدراسة أي اتفاق لوقف إطلاق النار بشرط أن يتضمن ضمانات دولية حقيقية تؤدي إلى التزام الاحتلال بما يتم الاتفاق عليه، خاصة ما يتعلق بالانسحاب الكامل من القطاع وتبادل الأسرى. وتابع القيادي أن الحركة تتطلب موافقة والتزام الاحتلال بما يتم الاتفاق عليه بشكل رسمي وقانوني، خاصة أن هذه القضايا تمثل مسألة حياة أو موت للعديد من الأسر الفلسطينية في القطاع.
في المقابل، كشفت تقارير إعلامية نشرت مؤخراً عن وجود تفاصيل جديدة حول المفاوضات الجارية، حيث نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مصادر دبلوماسية عربية أن الجهود الحالية تسعى للاستفادة من الزخم الذي رافق التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، والذي صمد لمدة أربعة أيام متواصلة في الصيف الماضي، بعد نحو عام من القتال الدامي. ويعتقد العديد من المفاوضين أن هذا الاتفاق اللبناني يمكن أن يكون نموذجًا يمكن البناء عليه للوصول إلى هدنة شاملة في قطاع غزة.
تحت هذه المبادرة الجديدة، يناقش الوسطاء المصريون مع الإسرائيليين حلاً محتملاً ينص على وقف القتال في غزة لمدة 60 يومًا على الأقل، مع السماح لإسرائيل بالحفاظ على وجود عسكري داخل القطاع. في المقابل، من المتوقع أن يتم إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال بعد سبعة أيام من التوصل إلى الاتفاق. وقد تم تداول هذه التفاصيل على نطاق واسع بين عدد من المفاوضين الذين يشاركون في محادثات غير مباشرة بين حركة حماس والجانب الإسرائيلي.
وبينما لا يزال مستقبل هذه المفاوضات غير واضح تمامًا، فقد تحدثت التقارير عن احتمال أن تكون مصر قد توصلت إلى تفاهم مع إسرائيل لفتح معبر رفح في وقت لاحق من شهر ديسمبر الجاري، وهو المعبر الذي أغلقته مصر منذ مايو بعد قيام الاحتلال الإسرائيلي بتوسيع عملياته العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، التي أسفرت عن السيطرة على المعبر من الجانب الآخر. وتُظهر التقارير أن الحكومة المصرية ترفض أي تنسيق مع جيش الاحتلال في ما يخص المعبر، وسبق أن أكدت أن فتحه سيكون مشروطًا بتوافر ضمانات دولية تضمن سلامة المعبر وتحقيق مصالح الفلسطينيين.
إن موقف حركة حماس الذي يصر على ضمانات دولية لوقف إطلاق النار ورفض أي تهدئة لا تحمل التزامات قوية من قبل الاحتلال يعكس تماماً حجم القلق الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد المدنيين. في الوقت نفسه، تسعى مصر إلى إدارة هذه المفاوضات بحذر شديد، حيث تدرك تماماً أن أي اتفاق لا يتضمن انسحابًا كاملاً من غزة قد يؤدي إلى تجدد القتال في المستقبل، مما يعزز من مخاوف الشعب الفلسطيني من وقوع المزيد من الخسائر البشرية والدمار.
الكل في غزة يترقب نتائج هذه المفاوضات عن كثب، لكن المشهد العام لا يزال يعكس حالة من الترقب الشديد. حماس على استعداد للموافقة على أي اتفاق قد يؤدي إلى توقف العدوان، ولكن في ذات الوقت، لا تبدو الحركة مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. الأمور تتجه نحو المجهول، وكل طرف يحاول أن يحقق أكبر قدر من المكاسب في مفاوضات معقدة تزداد تعقيدًا مع مرور الوقت.