تقاريرمصر

القوات المسلحة المصرية تجبر مؤسسات تعليمية وقضائية وثقافية على إخلاء ضفاف النيل

أصدر جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة المصرية في خطوة غير متوقعة، قرارًا بالإخلاء الفوري لعدد من المباني والمقار الهامة على ضفاف نهر النيل في وسط القاهرة، شمل القرار مؤسسات تعليمية، وأندية، وحدائق عامة، دون أن يقدم الجهاز أي مبررات رسمية لهذا الإجراء، الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط المتضررة.

يشمل القرار إخلاء كلية السياحة والفنادق التابعة لجامعة حلوان، وإدارة العمليات بشرطة المسطحات المائية، وحديقة أم كلثوم العامة التابعة لمحافظة القاهرة، ونادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، ومسارح المواجهة والتجوال،

وفاطمة رشدي العائم، ومسرح الشباب. جميع هذه المواقع تقع في موقع استراتيجي على ضفاف النيل، وسط العاصمة.

استثمارات خليجية مشبوهة في خلفية القرار

أثار القرار المفاجئ العديد من التساؤلات حول دوافعه الحقيقية، خصوصًا في ظل تزايد الشائعات حول تدخل مستثمر خليجي يمتلك فندقًا كبيرًا في المنطقة، يسعى إلى تحويل شاطئ نهر النيل إلى منتجع سياحي فاخر داخل مشروعه.

هذه الأنباء، على الرغم من عدم تأكيدها رسميًا، تزيد من المخاوف بأن القرار يهدف إلى تمهيد الطريق لمصالح استثمارية خاصة، على حساب المؤسسات العامة والمجتمعية التي تخدم آلاف المواطنين.

الأمر يثير الشكوك حول احتمالية وجود تضارب مصالح أو فساد داخل أجهزة الدولة، خصوصًا في ظل غياب أي تواصل أو إشعار رسمي مسبق للجهات المتضررة.

رسائل غامضة وخطط غير معلنة

أفادت بعض المصادر أن الجهات المستفيدة من الأراضي المقرر إخلاؤها تلقت رسائل شفهية تفيد بوجود خطة لتطوير مجرى نهر النيل تشمل إنشاء ممرات للمشاة ومنشآت سياحية وخدمية.

ومع ذلك، لم يصدر أي توضيح رسمي مكتوب أو خطة مفصلة من الحكومة توضح كيفية تنفيذ هذه المشاريع أو أهدافها. غياب الشفافية في هذه القرارات يزيد من الغضب والقلق بين المؤسسات المتضررة التي ترى أن ما يحدث هو خطوة لتمهيد الأرض لاستثمارات خاصة دون مراعاة للمصلحة العامة.

اعتراضات شديدة من المؤسسات المتضررة

القرار لم يمر دون ردود فعل غاضبة، حيث عبّر رئيس جامعة القاهرة عن دهشته من صدور قرار إزالة مقر نادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة دون أي إنذار مسبق أو إشعار حول خطط إخلاء أراضي طرح النهر أو تطوير مستشفى القصر العيني الذي يقع تحت مسؤولية الجامعة.

هذا القرار المفاجئ يعكس غياب تام للتنسيق بين الجهات الحكومية ومؤسسات الدولة المختلفة، مما يزيد من حالة الفوضى والاضطراب في التعامل مع قضايا هامة تتعلق بالأراضي العامة.

تهديد للاستثمارات العامة والخدمات المجتمعية

رشا أبو شقرة، عضو مجلس النواب ونائب رئيس نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، عبّرت عن استنكارها للقرار، مؤكدة أن مجلس النادي قرر تقديم التماس إلى رئاسة الجمهورية من أجل الحفاظ على مواقع الأندية التي استثمرت فيها ملايين الجنيهات لتقديم خدمات لأعضائها الذين يزيد عددهم عن 26 ألف عضو من نخبة المجتمع الأكاديمي.

كما أوضحت أن هذه الأندية لا تكلف ميزانية الدولة أي أعباء إضافية، بل تدفع أموالًا للجهات المؤجرة وتسدّد الضرائب المقررة عن الأنشطة التي تقدمها لخدمة أعضائها. تشير هذه الحقائق إلى أن القرار يهدد بتدمير استثمارات قائمة تخدم الآلاف من المواطنين دون أن يقدم بديلاً مناسبًا.

خلل في تسعير وتأجير الأراضي العامة

التفاوت الكبير في أسعار تأجير أراضي طرح النهر يسلط الضوء على حالة من التخبط واللامساواة في سياسات الحكومة المتعلقة بالأراضي العامة.

فعلى سبيل المثال، تدفع حديقة أم كلثوم 50 جنيهًا فقط للمتر المربع سنويًا، بينما تدفع كلية السياحة والفنادق 90 جنيهًا، ونادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة 75 جنيهًا.

في المقابل، يدفع نادي مجلس الدولة والنيابة الإدارية 100 جنيهًا، ويصل السعر إلى 150 جنيهًا للمتر المربع لأرض المسرح العائم. هذه الفروقات الشاسعة تثير تساؤلات حول مدى عدالة هذه الأسعار، وما إذا كانت هناك أيدٍ خفية تسعى لاستغلال هذه الأراضي لصالح المستثمرين، بدلاً من خدمة الصالح العام.

العمال وأصحاب المحلات في حديقة أم كلثوم مهددون بالتشرد

حديقة أم كلثوم، التي تعد من المعالم البارزة في القاهرة، تعيش حالة من الفوضى بعد صدور قرار الإخلاء، حيث يخشى العاملون فيها من فقدان وظائفهم في حالة تنفيذ القرار.

الحديقة، التي زرعت أشجارها منذ أكثر من 30 عامًا، تضم العديد من المحلات التي دفع أصحابها إيجارات مسبقة لمدة عامين. هؤلاء المستثمرون المحليون، الذين يعتمدون على الحديقة في توفير مصدر رزقهم، يواجهون الآن خطر الإغلاق والخسائر المالية الفادحة إذا ما تم تنفيذ القرار.

قرارات مماثلة تستهدف الهيئات القضائية

الأمر لم يتوقف عند المؤسسات التعليمية والثقافية فقط، فقد شمل أيضًا نادي النيابة الإدارية ونادي قضايا الدولة. رفضت إدارات هذه الأندية الإخلاء وقررت إحالة النزاع إلى القضاء، ما أدى إلى تعليق تنفيذ القرار مؤقتًا حتى نهاية العام.

تشير هذه التطورات إلى أن الحكومة تواجه معارضة واسعة من جهات قضائية وتعليمية، مما يفتح الباب لمزيد من المواجهات القانونية في المستقبل، ويضع الحكومة في موقف محرج أمام الرأي العام.

فساد واضح وتواطؤ حكومي لخدمة المصالح الخاصة

القرارات العشوائية وغير المبررة لإخلاء هذه المؤسسات تثير شكوكا عميقة حول دوافعها الحقيقية. يبدو أن الحكومة المصرية، في تواطؤ مع جهات استثمارية خاصة، تسعى لاستغلال الأراضي العامة وتحويلها إلى مشاريع سياحية وتجارية على حساب المصلحة العامة والمواطنين.

تأتي هذه الخطوات في ظل تصاعد الاتهامات بفساد مؤسسي داخل الأجهزة الحكومية، والتي يبدو أنها تعمل لخدمة مصالح طبقة صغيرة من المستثمرين، سواء كانوا مصريين أو أجانب، دون مراعاة للمصلحة العامة أو حقوق المؤسسات المجتمعية.

ويعكس هذا الوضع بوضوح مدى الفساد الذي يعاني منه النظام المصري، حيث يتم التعامل مع الأصول العامة وكأنها ملكيات خاصة يتم تسخيرها لخدمة مصالح القلة على حساب الأغلبية. يطالب المتضررون بوقف هذه القرارات العشوائية وإعادة النظر فيها بما يضمن الحفاظ على حقوق المؤسسات المجتمعية والمصالح العامة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى