إسرائيل بين الأمل والقلق .. سوريا على حافة الفوضى وتحديات أمنية معقدة
في اللحظات الحاسمة التي تمر بها الأزمة السورية تتصاعد مخاوف إسرائيل من التطورات السريعة التي تشهدها الحرب الدائرة على الأراضي السورية.
لم يكن الأمر في يوم من الأيام أكثر تعقيداً مما هو عليه الآن، إذ تعكس الملاحظات التي أطلقها دبلوماسي إسرائيلي حول الوضع في سوريا التناقض الكبير في ردود فعل الحكومة الإسرائيلية تجاه هذا الصراع المعقد.
وتتمثل هذه الملاحظة في التصريح الذي قاله أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين “على المدى القصير، لم يكن من الممكن أن يكون الأمر أفضل، ولكن على المدى الطويل ليس هناك ما يقول إننا لا نخاطر بالتعامل مع نظام أسوأ من نظام بشار الأسد”.
هذا التصريح يبرز القلق الإسرائيلي الكبير من المستقبل المجهول الذي قد تحمله التطورات على الأرض السورية خاصة في ظل التحولات العسكرية والسياسية التي بدأت تأخذ منحى غير مسبوق.
على الرغم من أن الوضع الحالي في سوريا قد يبدو مكسباً مؤقتاً لبعض الأطراف الإسرائيلية، إلا أن الواقع أكثر تعقيداً من ذلك بكثير.
فقد شهدت الساحة السورية تحركات غير متوقعة كان أبرزها الهجوم العنيف الذي شنته جماعات معارضة للنظام السوري، يقودها فصيل “تحرير الشام” وهو تنظيم إسلامي سني يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتنظيم القاعدة.
هذا الهجوم يعكس بداية مرحلة جديدة قد تعيد تشكيل ملامح النزاع السوري بشكل يعكس مصالح قوى إقليمية ودولية مختلفة.
وفي هذا السياق أظهرت الحكومة الإسرائيلية رد فعل متذبذب بين التفاؤل الحذر والمخاوف من العواقب الوخيمة على المدى البعيد.
مساء الجمعة وعلى الرغم من احتفالات يوم السبت، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشاورات عاجلة مع كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الإسرائيليين بشأن التأثيرات المحتملة لهذا الهجوم.
وكان الحديث يدور حول الحالة الفوضوية التي تعيشها سوريا والتي قد تشكل تهديداً استراتيجياً لمصالح إسرائيل في المنطقة.
هذا التفاعل العاجل من قبل القيادة الإسرائيلية يعكس حالة من القلق العميق حول إمكانية تدهور الوضع في سوريا وتحوله إلى جبهة جديدة قد تزيد من التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل.
في الوقت نفسه، كانت هناك آراء بين المعلقين العسكريين الإسرائيليين تشير إلى أن هذا الهجوم قد يؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة قد تخدم مصالح إسرائيل على المدى القصير.
ومن هذه الآراء ما يفيد بأن محاولة المعارضة السورية لزعزعة استقرار النظام السوري قد تدفع بكل من إيران وحزب الله إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى سوريا، وهو ما سيجبرهم على التفرغ للقتال هناك بدلاً من التركيز على الجبهة اللبنانية.
هذا التوزيع للقوى العسكرية في المنطقة قد يقلل من قدرة إيران وحزب الله على تنفيذ استراتيجياتهم الخاصة بالتهديدات ضد إسرائيل، الأمر الذي قد يقلل من الخطر المباشر على الحدود الإسرائيلية في هذه المرحلة.
إلى جانب ذلك، قد تساهم هذه الأولوية الجديدة للأطراف الإقليمية في تحجيم خطر نقل الأسلحة إلى حزب الله اللبناني عبر الأراضي السورية، وهو ما سيسهم بشكل مباشر في تقليص قدرات الحزب على تهديد إسرائيل من الشمال.
ويعتبر هذا تطوراً مهماً في سياق استراتيجيات إيران وحزب الله العسكرية التي تهدف إلى محاصرة إسرائيل من عدة جهات، ولكن الهجوم الجهادي الأخير قد يسهم في تقليص تلك التهديدات إلى حد كبير.
من جانب آخر، يعتقد العديد من الخبراء العسكريين الإسرائيليين أن الهجوم الذي شنته فصائل المعارضة السورية ضد النظام يمكن أن يشكل ضربة قاسية لإيران وحزب الله، ويضعهما في موقف دفاعي يتطلب إعادة تقييم استراتيجياتهما على كافة الجبهات.
فإيران، التي طالما عملت على تعزيز نفوذها في سوريا ودعم نظام بشار الأسد، تجد نفسها الآن في موقف صعب يتطلب منها إعادة ترتيب أولوياتها العسكرية واللوجستية. وهذا يشمل إعادة نشر قواتها في مناطق مختلفة داخل سوريا وبالتالي التأثير على قدرتها على تنفيذ مخططاتها الأمنية التي كانت تهدف إلى محاصرة إسرائيل.
وبذلك، فإن الهجوم الأخير على النظام السوري يضع إيران في موقع التراجع. وإذا نظرنا إلى التطورات في غزة، نجد أن الهجوم الذي شنته إسرائيل ضد قطاع غزة قد أضعف بشكل ملحوظ القدرة العملياتية لحزب الله وحماس على الجبهة الجنوبية، مما يفرض على إيران وحلفائها اتخاذ قرارات صعبة قد تغير من مجريات الأحداث في المنطقة.
لكن على الرغم من هذه التحديات، يبقى السؤال الأبرز: هل هذه التطورات ستسهم في استقرار الوضع على المدى الطويل أم أن الفوضى ستستمر في التحليق فوق سوريا؟ لا يمكن لإسرائيل أن تضع كل رهاناتها على تطورات عسكرية قصيرة الأمد، حيث إن التغيرات التي قد تحدث على الأرض في سوريا قد تؤدي إلى تفاقم الوضع العسكري والسياسي بشكل يجعل النظام السوري، أو نظاماً بديلاً له، أكثر تهديداً على المدى البعيد.
وتشير هذه الأحداث إلى أن اللعبة في سوريا أكبر بكثير من أن تكون مجرد مواجهة بين أطراف محلية، بل هي صراع إقليمي ودولي معقد.
وفي ظل هذه الأوضاع المتقلبة لا يمكن إغفال التأثيرات التي قد تنجم عن التدخلات الخارجية المستمرة. فإسرائيل ترى في هذا الوضع فرصة، لكنها أيضاً تدرك أن هناك احتمالات كبيرة لخطر أكبر قادم.
فالتصريحات التي يدلي بها المسؤولون الإسرائيليون تظل مليئة بالقلق حول التطورات المستقبلية في سوريا التي قد تعيد تشكيل صورة المنطقة بالكامل.