في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد اللاجئين في مصر بشكل غير مسبوق، أصبحت قضية تنظيم أوضاعهم وتأثيرها على الأمن القومي والاقتصاد المصري أمراً بالغ الأهمية.
في الوقت الذي يتجاوز فيه عدد اللاجئين في البلاد التسعة ملايين، يواجه المجتمع المصري تحديات ضخمة تتعلق بتكلفة استضافة هؤلاء اللاجئين، والبالغة عشرة مليارات دولار سنوياً، إضافة إلى تأثيراتهم على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم هذه التحديات، ظلت الحكومة المصرية تفتقر إلى تشريع شامل ينظم هذا الملف الشائك، مما جعل من الضروري وضع قانون يحدد الحقوق والواجبات الخاصة باللاجئين.
أخيراً، تم إقرار قانون جديد ينظم أوضاع اللاجئين في مصر، وهو قانون يثير جدلاً واسعاً. فقد جاءت البنود الرئيسية في القانون لتتيح للاجئين العديد من الحقوق، مثل الحق في العمل والحصول على أجر مناسب مقابل عملهم، فضلاً عن حقهم في ممارسة المهن الحرة إذا كانوا يحملون شهادات معترف بها.
كما نص القانون على منح اللاجئين حرية ممارسة شعائرهم الدينية. لكن رغم هذه الإيجابيات، فقد تم طرح العديد من التساؤلات حول مدى توافق هذا القانون مع القوانين الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين، إضافة إلى قلق العديد من الخبراء من أن هذه الحقوق قد تُستغل بشكل غير قانوني.
مصر، التي تستقبل اللاجئين من عدة دول تعاني من أزمات وصراعات، تعد واحدة من أكبر الدول المضيفة للاجئين على مستوى العالم. ومع تزايد أعداد اللاجئين في البلاد، برزت مسألة تقنين أوضاعهم لتفادي الآثار السلبية على المجتمع المصري.
ولكن، ورغم أهمية هذا التشريع، إلا أن هناك من يرى أن القانون يفتقر إلى الضوابط الكافية التي تضمن حماية حقوق المصريين وتفادي استغلال بعض اللاجئين للوضع في ممارسة الأنشطة التجارية بطرق غير قانونية.
التحفظات على القانون لا تقتصر فقط على كيفية تنظيم أوضاع اللاجئين، بل تتعداها إلى انتقادات تتعلق بتقاعس الحكومة في طرح المشروع للنقاش المجتمعي قبل إقراره. هذا غياب للحوار العام يزيد من الشكوك حول نوايا الحكومة في معالجة ملف اللاجئين بطريقة تحافظ على المصالح الوطنية.
فبينما تتزايد الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون المصريون، يبدو أن الحكومة تركز على تقديم حقوق جديدة للاجئين دون مراعاة آثار ذلك على الطبقات الفقيرة من المصريين الذين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة.
ورغم أن القانون يتضمن إجراءات صارمة ضد من يخالف أحكامه أو يتأخر في إبلاغ السلطات عن وجوده في البلاد، فإن هناك من يشكك في قدرة الحكومة على تنفيذ هذه الإجراءات بفعالية. ففي ظل وجود ما يزيد عن 9 ملايين لاجئ على الأراضي المصرية، فإن التحدي الأكبر يبقى في كيفية تتبع هؤلاء الأشخاص والتأكد من أنهم يتبعون الإجراءات القانونية المناسبة.
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فقد تضمن القانون بعض التسهيلات الاقتصادية للاجئين، مثل السماح لهم بالعمل والمساهمة في الاقتصاد المحلي. ولكن، في الوقت نفسه، كان من الأفضل أن يضع القانون ضوابط مشددة لضمان أن هذا لا يؤثر سلباً على فرص العمل للمواطنين المصريين.
فعلى سبيل المثال، كان من المفترض أن يشمل القانون تشريعات أكثر صرامة حول كيفية ممارسة اللاجئين للأنشطة التجارية وضمان دفع الضرائب وتجنب التهرب الضريبي، وهي مشكلة يعاني منها الاقتصاد المصري بشكل عام.
من جانب آخر، أثار القانون جدلاً واسعاً بين منظمات حقوق الإنسان التي اعتبرت أن القانون الجديد لا يقدم حلولاً حقيقية للتحديات التي يواجهها اللاجئون في مصر.
وقد انتقدت هذه المنظمات غياب التنسيق مع المجتمع المدني في صياغة القانون، مما جعل من الصعب ضمان أن حقوق اللاجئين ستكون محمية بالشكل الأمثل. كما تم التنديد بحرمان اللاجئين من ممارسة العمل السياسي أو الانضمام إلى النقابات، وهو أمر يتعارض مع القوانين الدولية التي تضمن حقوق اللاجئين في هذا الصدد.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن بعض القطاعات داخل المجتمع المصري رحبت بالقانون باعتباره خطوة نحو تنظيم أوضاع اللاجئين، فإن هناك حالة من القلق الشعبي بشأن كيفية تأثير هذا القانون على الأوضاع الاقتصادية المحلية.
فقد شهدت بعض المناطق زيادة ملحوظة في أسعار الإيجارات بسبب التوسع في أعداد اللاجئين، وهو ما يضاعف الضغط على المواطنين المصريين.
رغم هذه القلق، فإنه من المتوقع أن يحسن القانون أوضاع اللاجئين في مصر بشكل عام. فمن المتوقع أن يتوجه عدد كبير من اللاجئين الذين يعملون بشكل غير قانوني إلى تقنين أوضاعهم بعد إصدار القانون،
مما قد يسهم في تحسين ظروفهم المعيشية وتعزيز مساهماتهم الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، من المفترض أن يساعد القانون في ضمان وجود رقابة أفضل على أعداد اللاجئين وآلية تسجيلهم.
ويبدو أن مصر بحاجة إلى قانون شامل ينظم أوضاع اللاجئين بفعالية تضمن حماية حقوق جميع الأطراف. ولكن هذا القانون يحتاج إلى تعديلات مهمة لضمان أن لا يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المصريون،
وأن يتم تنفيذه بطريقة شفافة وفعالة تكفل الحفاظ على الأمن القومي المصري في ظل التحديات المستمرة التي تفرضها الأزمات الإقليمية.