في مشهد درامي جديد يكشف عن مدى الفوضى والفساد داخل حزب الوفد في محافظة البحيرة، تتضح الصورة بشكل جلي عن كيفية إدارة الحزب وكأنها ملكية خاصة تتبع هوايات قادته في اختيار من يشاءون للمناصب بغض النظر عن الخبرة أو المؤهلات.
فالمهندس عبدالباسط الشرقاوي، رئيس اللجنة العامة لحزب الوفد بالبحيرة، قرر بكل بساطة أن يعين الشاب محمد عطا الله، رئيس لجنة شباب بندر دمنهور، رئيسًا للجنة العامة لشباب الحزب في محافظة البحيرة بالكامل. كأن هذا القرار هو من اختصاصه الشخصي وليس قرارًا يجب أن يمر عبر القنوات الرسمية داخل الحزب.
ما جعل هذه الفضيحة أكثر إثارة للسخرية هو أن هذا التعيين جاء بعد لقاء ودي بين الشرقاوي وعطا الله، حيث أبدى الشرقاوي إعجابه الشديد “برؤية” هذا الشاب، ليقرر على الفور أنه هو الأجدر بأن يقود جميع شباب الحزب في المحافظة.
يبدو أن المهندس عبدالباسط الشرقاوي قرر أن صلاحياته تتجاوز كل الحدود، ويحق له اتخاذ مثل هذه القرارات التي تهم مستقبل الحزب بكل بساطة، متجاهلًا تمامًا أن التعيين في هذه المناصب هو من اختصاص رئيس الحزب، الدكتور عبد السند يمامة، والمكتب التنفيذي للحزب، وليس لعبة بيد الشرقاوي يوزعها على من يعجبه.
ومن المدهش أكثر أن هذه الخطوة تمت دون أي اعتبارات للمعايير الحزبية أو لأية آليات انتخابية. كأن الحزب أصبح عبارة عن “دكان” يتصرف فيه من يشاء حسب مزاجه، دون أدنى احترام للإجراءات المتبعة أو للهيكل التنظيمي.
والغرابة أن هذا التعيين تم دون أن يطرف لجفن أي من قيادات الحزب، لا الدكتور عبد السند يمامة ولا أي عضو آخر من المكتب التنفيذي، وكأنهم يعيشون في عالم آخر تمامًا لا علاقة له بالواقع أو ما يحدث في الشارع.
ورغم الفضيحة الكبرى التي تكشفت عن مدى الفوضى والفساد في اتخاذ القرارات داخل الحزب، يبدو أن القيادة المركزية لحزب الوفد، بقيادة الدكتور عبد السند يمامة، قررت أن تصم آذانها وتغلق عيونها عن هذه الانتهاكات الواضحة.
ألم يسمع الدكتور عبد السند يمامة، أو ربما لم يهتم، بما يحدث في محافظة البحيرة؟ أم أن الفساد قد وصل إلى درجة أن السكوت عليه أصبح أمرًا عاديًا؟
الحقيقة أن ما جرى في محافظة البحيرة لا يعدو كونه حلقة جديدة من مسلسل الفساد الذي بات يسيطر على الحزب منذ فترة طويلة، وها هو يظهر للعلن الآن. الشرقاوي، الذي كان من المفترض أن يكون نموذجًا في الالتزام بالقواعد الحزبية، يتحول إلى رمز للانتهاك المستمر لهذه القواعد، مستغلًا منصبه بطريقة تثير الدهشة والسخرية في آن واحد. أين الرقابة؟ أين الشفافية؟ أين المساءلة؟ يبدو أن هذه الأسئلة هي آخر ما يفكر فيه من هم في القيادة، إذ لا يظهر أن هناك أي رغبة حقيقية في محاسبة أي شخص على هذه التجاوزات.
ومع ذلك، لا يقتصر الأمر على الفوضى والفساد في هذه القضية فقط، بل يطرح التساؤل الأهم: إذا كان التعيين في مثل هذه المناصب الحساسة يتم بهذه الطريقة العشوائية، فكيف يمكن أن يثق أي عضو في الحزب بوجود أي نوع من العدالة أو الشفافية داخل الحزب؟ هل يعقل أن يُمنح شخص ما منصبًا لمجرد أن “الشرقاوي” اعجب به في جلسة دردشة؟ أليست هذه خطوة تمهد لفتح الباب أمام المزيد من الفساد والمحسوبية داخل الحزب؟
وفي الوقت الذي كان من المفترض أن تشهد هذه القضية تحركًا سريعًا من جانب القيادة المركزية للحزب لتوضيح الحقائق واتخاذ إجراءات تصحيحية، نجد أن الوضع يظل كما هو. بل إن الأمور تبدو أسوأ مما يتخيل أي شخص، حيث لم يُتخذ أي قرار لوقف هذه التجاوزات أو حتى تقديم تبريرات منطقية لما حدث.
والأمر الأكثر سخرية هو أن هذا التعيين قد مر وكأن شيئًا لم يكن، في حين أن هذا يفضح فساد الحزب، الذي أصبح من الواضح أنه يدار بأسلوب “المزاج” الشخصي للقيادات المحلية، دون أدنى اعتبار للمصلحة العامة.
الغريب في هذا المشهد هو أن المهندس عبدالباسط الشرقاوي يظن على ما يبدو أنه يحكم إمبراطورية شخصية له في حزب الوفد، وأن بإمكانه اتخاذ القرارات كما يشاء دون أن يلتفت إلى القوانين أو الأعراف الحزبية.
وكأن الحزب مجرد “نادي” يتعامل مع أعضائه كما يشاء، ويتم تعيين الشباب في المناصب بناءً على علاقات شخصية فقط، دون النظر إلى الكفاءة أو القدرة على القيادة.
وبالطبع، لا يمكن أن نغفل الدور الكبير الذي يلعبه الصمت المطبق من قيادة الحزب، بقيادة الدكتور عبد السند يمامة. إذ بدلاً من التصدي لهذه الفضائح ومحاولة تصحيح المسار، يبدو أن القيادة تختار التزام الصمت وكأنها لا ترى أو تسمع شيئًا.
هل يعقل أن يتم تجاهل هذه الفضائح والتجاوزات بهذا الشكل؟ هل يعقل أن يبقى الحزب في حالة غياب رقابة وانعدام للمحاسبة إلى هذا الحد؟
يظهر أن حزب الوفد، تحت قيادة الدكتور عبد السند يمامة، قد وصل إلى مرحلة من الفوضى والفساد لم يشهدها من قبل. وإذا استمر هذا الوضع على حاله، فسيكون من المستحيل أن يبقى للحزب أي مصداقية أو دور حقيقي في الساحة السياسية.