بعد تصريحات أستاذة المنزلي بجامعة حلوان روضة حمزة حول إنفاق الأسرة المصرية 3000 جنيه فقط في الشهر، وما تلاها من ضجة وانتقادات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، لا يزال الحديث مستمرًا حول تقاعس الحكومة المصرية في معالجة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالمواطنين. تصريحات حمزة، التي تعتبر محاولة لتبرير الواقع القاسي للأسرة المصرية، تكشف بوضوح عن الفجوة الكبيرة بين واقع الشعب المصري وواقع المسؤولين الذين يقبعون في أبراجهم العاجية بعيدًا عن معاناة الناس اليومية.
حمزة لم تكتفِ بهذا التصريح بل خرجت في وقت لاحق مع الإعلامي عمرو أديب لتتحدث عن معاناة الطلاب في المدارس، قائلة إن “العيل ياخد معاه ساندوتش عسل أسود بدل الجبنة والحلاوة في المدرسة”، مما أثار موجة من الغضب العارم بين المواطنين.
إن هذه التصريحات لا تعكس فقط جهل حمزة بواقع الحياة اليومية للأسر المصرية، بل تعكس أيضًا فشل الحكومة في معالجة المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الشعب. الحديث عن صرف 3000 جنيه شهريًا كأمر عادي وكافي للأسرة المصرية هو بمثابة إهانة وتهكم على معاناة المواطنين. كيف يمكن أن يعتقد أي مسؤول أن هذه المبالغ تكفي لتغطية احتياجات الأسرة التي أصبحت تتخبط يوميًا بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني للمواد الأساسية مثل الغذاء والوقود؟ إذا كان المسؤولون في الحكومة لا يعرفون حجم معاناة المواطن المصري، فكيف لهم أن يقدموا حلولًا واقعية لهذه الأزمة؟
تصريحات حمزة تأتي في وقت يواجه فيه الشعب المصري أزمة اقتصادية خانقة. فوفقًا لأحدث التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفع معدل التضخم في مصر إلى 35.7% في سبتمبر الماضي، مما يجعل تصريحات حمزة أكثر قسوة تجاه الواقع. 3000 جنيه قد لا تكفي إلا لشراء الطعام والشراب فقط، دون حساب تكاليف الكهرباء والمياه والغاز والمواصلات. أما بالنسبة لتعليم الأطفال في المدارس العامة، فالحكاية أكثر تعقيدًا حيث تزداد تكلفة المستلزمات الدراسية مثل الكتب المدرسية والملابس، دون أن ننسى احتياجات الأنشطة المدرسية.
لم تتوقف تصريحات حمزة المثيرة للجدل عند هذا الحد، بل تابعت تأكيداتها في لقاءها مع عمرو أديب، مما جعل الكثيرين يتساءلون عن دوافع هذه التصريحات وما إذا كانت تعكس تواطؤًا مع الحكومة التي تسعى لتقليل حجم الأزمة أو التغطية عليها. حديثها عن “ساندوتش العسل الأسود” لم يكن مجرد تعبير عن اجتهاد بسيط، بل كان محاولة للتهرب من مسؤولية الدولة في توفير حياة كريمة للمواطنين، وتحميل الأسرة المصرية عبءًا إضافيًا.
إن تصريحات حمزة تسلط الضوء على عدم وجود سياسة فعالة من قبل الحكومة المصرية لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون. فالحكومة لم تقدم أية حلول حقيقية لتخفيف حدة التضخم أو دعم الأسر الفقيرة. على الرغم من أن مصر تمتلك موارد كبيرة مثل السياحة والنفط، فإن الفساد المستشري في قطاعات الدولة والإنفاق الحكومي غير الكفء يعيق أي محاولة لتحسين الوضع.
هذا الفشل في الحكم والفساد الذي يعشش في أجهزة الدولة قد أدى إلى تدني مستوى الحياة بالنسبة للملايين من المواطنين. وفي وقت تعيش فيه الغالبية العظمى من المصريين في فقر مدقع، فإن الحكومة لا تكلف نفسها عناء تحسين أوضاع الناس. فتصريحات حمزة، التي تبدو وكأنها صادرة من شخص لا يمت بصلة للواقع المصري، تكشف عن انفصال كبير بين طبقة المسؤولين وبين الناس العاديين.
في الواقع، تعكس تصريحات حمزة الفجوة الاجتماعية والاقتصادية الهائلة بين طبقات المجتمع المصري. ففي الوقت الذي يكافح فيه المواطن المصري من أجل الحصول على قوت يومه، ترى الحكومة والمسؤولين يتحدثون عن أرقام لا علاقة لها بالواقع. تصريحاتها جاءت لتزيد من انعدام الثقة في الحكومة التي تسعى لتبرير فشلها الاقتصادي بأفكار سطحية تعكس عدم الإحساس بمعاناة الشعب.
مما يزيد من تعقيد هذه الأزمة هو عدم وجود خطة واضحة من الحكومة لمواجهة المشاكل الاقتصادية المتراكمة. ففي الوقت الذي تشهد فيه الأسواق زيادات غير مسبوقة في أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والزيت والسكر، لا ترى الحكومة ضرورة لإجراء إصلاحات حقيقية في سياسات الدعم أو تحفيز الاقتصاد الوطني. إذا كانت الأسرة المصرية لا تستطيع تحمل هذه الأعباء المعيشية، فكيف ستواجه الحكومة الانهيار الاقتصادي الذي بات يهدد الجميع؟
إن روضة حمزة، بتصريحاتها المسيئة للمواطن المصري، تمثل في الواقع جزءًا من النظام الحكومي الفاشل الذي لا يتردد في فرض المزيد من الأعباء على كاهل الشعب دون أن يقدم حلولًا عملية. حديثها عن العسل الأسود كبديل للجبنة والحلاوة هو بمثابة استخفاف بمعاناة المواطنين وتجاهل تام للمشاكل التي يعاني منها الغالبية العظمى من الشعب. الحكومة التي تفشل في تقديم حلول واقعية لا يمكنها إلا أن تساهم في زيادة تفاقم الأزمة، بينما تعيش فئات معينة في المجتمع في ترف، ولا يتوقفون عن فرض قيود جديدة على المواطنين.
إن وقت تحميل الحكومة مسؤولياتها قد حان، والوقت قد حان أيضًا لتحمل المسؤولين تبعات فشلهم في تحسين الظروف الاقتصادية وتوفير حياة كريمة للمصريين.