تفشت في الفترة الأخيرة ظاهرة العنف في مدارس الإسكندرية بشكل واضح، مما جعل هذه المدارس تتحول إلى أماكن تهدد أمن الطلاب والمجتمع.
فبينما كانت المدارس منارات للعلم والتربية، أصبحنا نشهد تحول بعضها إلى ساحات حرب يتقاتل فيها الطلاب فيما بينهم، إلى جانب مواجهاتهم مع المعلمين.
وبدلاً من أن تكون هذه المؤسسات التربوية مكانًا لتعليم العلوم، أصبحت بؤرًا للبلطجة والعنف، كما انتشرت داخلها أيضًا ظاهرة التحرش بالطالبات، التي أصبحت تؤرق العديد من الأسر في المدينة.
الخطورة في هذا الوضع تكمن في أن هذه الظواهر العنيفة أصبحت تتكرر بشكل شبه يومي في بعض المدارس، حيث يذهب الطلاب إلى مدارسهم ليس لتلقي العلم ولكن لممارسة سلوكيات العنف والشغب، ما يثير القلق حول سلامة العملية التعليمية في هذه المدارس.
هذه الأزمة تجاوزت نطاق العنف بين الطلاب لتشمل غياب العملية التعليمية بالكامل في بعض المدارس، حيث تحول حضور الطلاب إلى مجرد روتين يومي، دون أن يكون هناك أي نوع من الإشراف أو التوجيه الفعّال.
لم تعد المدارس أماكن يتلقى فيها الطلاب العلوم على أيدي معلمين أكفاء، بل أصبحت مجرد قاعات لجلوس الطلاب في انتظار انتهاء اليوم الدراسي.
فقد أصبحت مدارس الإسكندرية مسرحًا للعنف المتزايد، مما جعلها تحتل مكانة مقلقة في حياة الكثير من الأسر. فقد حل العنف محل التعليم في بعض المدارس، ليشمل المشاجرات بين الطلاب والتعديات على المعلمين، فضلاً عن انتشار التحرش بالطالبات في ظاهرة لم تكن معروفة في الماضي، مما أصبح يثير القلق العميق في أوساط المجتمع السكندري.
الظاهرة المقلقة لا تقتصر على العنف داخل المدارس فقط، بل تتعداها لتشمل أيضًا تسربًا دراسيًا متزايدًا. ففي بعض المدارس، تحولت العملية التعليمية إلى مجرد روتين يومي يتمثل في حضور الطلاب وتسكينهم في الفصول، دون تقديم أي محتوى تعليمي حقيقي. هذا الإهمال دفع العديد من الطلاب للابتعاد عن المدارس بسبب غياب التوجيه الجاد والمحتوى التعليمي الكافي.
أحد الحوادث التي أثارت الجدل كانت تتعلق بمشاجرة بين طالبين في إحدى المدارس، حيث قام أحدهم بطعن زميله بآلة حادة، مما أسفر عن إصابته بجروح خطيرة.
وقد أدت هذه الحادثة إلى حالة من الهلع والذعر بين الطلاب. وبينما تم نقل المصاب إلى المستشفى لتلقي العلاج، كانت هناك محاولات لتغطية الحادثة وتهدئة الأوضاع دون النظر إلى الأسباب العميقة التي تقف وراء هذه الظاهرة.
في سياق آخر، وقعت حادثة اعتداء أخرى كانت أكثر تعقيدًا حيث تعرض أحد الطلاب للعنف من قبل إحدى المعلمات، ما أدى إلى إصابته بحالة نفسية سيئة منعتاه من العودة إلى المدرسة. الحادثة كانت نتيجة لتصرفات غير مبررة من المعلمة، التي قامت بضرب الطالب أمام زملائه، مما جعل الطفل يشعر بالإهانة الشديدة. هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، إذ تكررت حالات مشابهة في مدارس أخرى، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول غياب الإجراءات الحاسمة للحد من هذه الظواهر.
وفي بعض المدارس الأخرى، تطورت الحوادث لتشمل اعتداءات بين الطلاب أنفسهم، حيث استخدم بعضهم آلات حادة في مشاجرات طلابية.
هذا العنف المتبادل بين الطلاب أصبح يحدث في العديد من المدارس بشكل متكرر، ما يجعل المدرسة مكانًا غير آمن لأي طالب. وقد تم اتخاذ بعض الإجراءات التأديبية تجاه المعتدين، ولكن دون معالجة الأسباب الجذرية لهذه التصرفات العنيفة.
بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ أن هناك عددًا كبيرًا من الطلاب الذين يتسربون من المدارس بشكل مستمر. هذا التسرب يعود إلى أسباب متعددة، من بينها غياب الإشراف الفعّال داخل المدارس، وعدم وجود أنشطة تعليمية تجذب الطلاب.
إذ يفضل الكثير منهم الجلوس في الفناء أو الانشغال بمشاهدات ترفيهية أو ممارسات أخرى غير تعليمية، بدلًا من الاستفادة من العملية التعليمية. هذا الوضع يطرح تساؤلات حول غياب الرقابة داخل هذه المدارس، خاصة في المناطق النائية أو الأحياء التي تفتقر إلى الإشراف الكافي من قبل المسؤولين عن التعليم.
هناك أيضًا شكاوى من أولياء الأمور حول الطريقة التي تُدار بها المدارس، حيث يتهمون بعض المسؤولين بتجاهل الواقع الموجود في داخل المدارس، وتزيين الفصول والمدارس قبل أي زيارة تفقدية من أي مسؤول، مما يجعل الوضع يظل كما هو دون تحسن حقيقي.
هذه الممارسات تساهم في إخفاء الحقائق وتمنع المسؤولين من رؤية الواقع كما هو، مما يضاعف من الأزمات المستمرة في المدارس.
إن العنف المدرسي في الإسكندرية بات يشكل تهديدًا كبيرًا على العملية التعليمية، وقد يكون له آثار سلبية على نفسية الطلاب وأدائهم الدراسي في المستقبل.
غياب الرقابة الفعّالة وترك الأمور تسير على عواهنها يعكسان فشلًا حكوميًا في التعامل مع هذا الملف الحيوي. هذا الفشل يتجلى في عدم اتخاذ إجراءات جادة لمنع هذه الظواهر السلبية، بل والاكتفاء بالإجراءات التأديبية السطحية دون النظر في معالجة الأسباب الحقيقية لهذا العنف المنتشر في المدارس.
إن الحلول الجذرية لهذه المشكلة تتطلب تغييرًا جذريًا في النظام التعليمي داخل هذه المدارس. من الضروري أن تكون هناك رقابة مشددة من قبل الجهات المعنية على سير العملية التعليمية داخل المدارس، مع ضرورة فرض قوانين أكثر صرامة لمنع العنف داخل المؤسسات التعليمية.