تقاريرمصر

جامعة جنوب الوادي تغرق في الفساد الأكاديمي وسط فضائح مستمرة وإجراءات تأديبية متخاذلة

أصبحت الجامعات مكاناً ليس فقط لتلقي العلم بل أيضاً لسلسلة متكررة من الممارسات المهينة التي يتعرض لها الطلاب، وأحياناً أساتذتهم، دون أن يجدوا من يحميهم أو يضع حداً لتلك التجاوزات.

في مشهد مفجع في جامعة جنوب الوادي، ظهر فيديو لطالب أُجبر على السير على أربع كما لو كان حيواناً، حيث يُظهر الفيديو بوضوح قسوة الأستاذ الذي أرغمه على ذلك الفعل. هذا الفيديو الذي انتشر بسرعة أثار غضباً واسعاً وصدمة بين الناس. ولكن ما هو أكثر صدمة هو أن الجامعة لم تتحرك بشكل حازم وفوري لردع هذا الانتهاك الصارخ لكرامة الطالب.

بدلاً من ذلك، أصدرت الجامعة بياناً متأخراً أكدت فيه تحويل الأستاذ المسؤول إلى مجلس تأديب في نوفمبر، رغم أن الحادثة وقعت منذ أشهر طويلة، وكان من المفترض أن تتخذ الجامعة إجراءات عاجلة وصارمة لحماية حقوق الطلاب.

بل إن البيان كشف أن التحقيق لم يبدأ إلا بعد إبلاغ رئيس الجامعة في يوليو، ورغم ذلك لم يتم إيقاف الأستاذ إلا في نهاية أغسطس. هذه الاستجابة البطيئة والتهاون في مواجهة هذه الحادثة المأساوية تعكس مدى التردي الذي وصلت إليه إدارة الجامعة في حماية أبسط حقوق طلابها.

وما يزيد الحزن أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الطلاب لإهانة داخل أسوار الجامعة. ففي حادثة أخرى، شهد حفل تخرج في جامعة جنوب الوادي في يوليو الماضي تجاوزات أخلاقية وسلوكية غير لائقة بين أعضاء هيئة التدريس أمام الطلاب.

هذه الحادثة أضافت المزيد من الألم على المشهد، حيث أصبح واضحاً أن هناك انهياراً في المعايير الأكاديمية والأخلاقية التي كانت الجامعات المصرية تتفاخر بها يوماً ما.

ومما يزيد من مأساة الوضع أن هذه التجاوزات تأتي في ظل سيطرة كاملة للسلطة على تعيين رؤساء الجامعات، حيث أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي تعديلات على قانون تنظيم الجامعات في يونيو الماضي، مما جعل تعيين رؤساء الجامعات بيد السلطة التنفيذية بشكل مباشر، بعد أن كانت هذه المناصب تُنتخب من قبل أعضاء هيئة التدريس. هذه السيطرة السياسية على الجامعات أسهمت في تفاقم الفساد الإداري وتراجع استقلالية الجامعات، مما جعلها عاجزة عن اتخاذ قرارات قوية ضد المتجاوزين سواء من الأساتذة أو المسؤولين.

وفي ظل هذا التدهور الأكاديمي والأخلاقي، طفت على السطح فضيحة أخرى هزت جامعة جنوب الوادي في يناير الماضي عندما تم ضبط نائبة في البرلمان وهي تغش في امتحان باستخدام سماعة أذن، ورغم كشف الواقعة إلا أن الجامعة تعاملت مع القضية بتكتيم واضح، ولم يتم اتخاذ أي إجراء علني لمحاسبتها أو التحقيق في الأمر بشكل شفاف. هذه الحادثة المؤسفة تعكس مدى فساد إدارة الجامعة التي يبدو أنها تتجاهل القوانين واللوائح إذا تعلق الأمر بشخصيات ذات نفوذ أو سلطة، وتفضل التغطية على الأخطاء بدلاً من التصدي لها.

وما يزيد من الحزن على ما آلت إليه الجامعات المصرية هو أن هذه الحوادث ليست استثناءات، بل هي جزء من نمط متكرر يعكس حالة الانهيار التي وصلت إليها المنظومة التعليمية. في أكتوبر الماضي، وقع حادث آخر محزن في جامعة المنوفية عندما أهان أحد أساتذة كلية الحقوق طالباً أمام زملائه بلفظ جارح وخارج عن اللياقة، ورغم أن الجامعة أعلنت عن تحويل الأستاذ إلى التحقيق، إلا أن هذه التصرفات المسيئة للطلاب أصبحت متكررة في كثير من الجامعات دون أن تجد عقاباً حقيقياً أو ردعاً كافياً.

في المقابل، نجد أن الأساتذة الذين يتجرأون على التعبير عن آرائهم أو مواقفهم السياسية المختلفة يُبعدون عن المشهد الأكاديمي أو يُعتقلون. من الأمثلة المؤلمة على ذلك أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، الذي سبق واعتُقل، وهو يعاني منذ سنوات من تقييد حريته الأكاديمية بسبب مواقفه السياسية. كما أن التضييق طال العديد من الأكاديميين الآخرين، ومنهم الدكتور حازم حسني، الذي توفي مطلع فبراير الماضي بعد فترة من الاعتقال. هذه الأجواء القمعية والقيود المفروضة على حرية التعبير داخل الجامعات تجعل الأمل في إصلاح الوضع يبدو بعيد المنال.

التقارير الحقوقية تؤكد أن الجامعات المصرية وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التضييق على الحريات الأكاديمية، وأن أساتذة الجامعات يعيشون في مناخ مليء بالخوف والترهيب، حيث تُقمع الآراء المخالفة ويُحاسب كل من يعبر عن رأي لا يتفق مع سياسات الدولة. في حين أن الجامعات من المفترض أن تكون منبراً للحرية الفكرية والنقاشات البناءة، فإن ما يحدث الآن هو العكس تماماً.

ما تعانيه جامعة جنوب الوادي لا يقتصر على مجرد حوادث فردية، بل يعكس صورة مؤسفة لواقع التعليم العالي في مصر. الفساد الإداري، إهدار حقوق الطلاب والأساتذة، والتدخل السياسي السافر في الشؤون الجامعية، كل ذلك يجعل من الصعب التفاؤل بمستقبل أفضل للتعليم في مصر. والأكثر حزناً هو أن الطلاب، الذين جاءوا إلى الجامعات طلباً للعلم، أصبحوا الآن عرضة للإهانة والظلم، في بيئة تُفترض أن تكون ملاذاً للعلم والتطوير الشخصي.

في ظل هذه الظروف، يطرح السؤال: هل هناك أمل في استعادة الجامعات لدورها الحقيقي في بناء العقول والنهوض بالمجتمع، أم أن الانحدار سيستمر حتى تتلاشى قيمة التعليم وتضيع الأجيال القادمة في دوامة من الفساد والإهمال؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى