تشهد مصر حالة متفاقمة من انتشار الأطعمة الفاسدة والسلع المغشوشة، ما يضع حياة المواطنين في خطر شديد. يتجلى ذلك في انتشار الأطعمة التي تُباع في محيط محطات المترو، حيث تغزو الأسواق منتجات غذائية لا تحمل تواريخ صلاحية واضحة ولا تخضع لأي معايير صحية.
هذا الوضع ينعكس بشكل سلبي على صحة المواطنين الذين يقبلون على شراء هذه المنتجات من دون معرفة مدى خطورتها. كل هذا يحدث في ظل غياب رقابي مقلق من الجهات المعنية، والتي تقف عاجزة عن مواجهة هذا التهديد المستمر لحياة الناس.
ما يزيد من عمق المشكلة هو انتشار الغش التجاري في مختلف القطاعات، بدءًا من السلع الغذائية ووصولًا إلى قطع غيار السيارات، التي يتم بيعها تحت مسميات وعلامات تجارية مزيفة لا تمت للواقع بصلة.
هذه الممارسات تتكرر بشكل يومي، وكأن القانون لا وجود له. فلا تزال العقوبات المفروضة على المخالفين غير كافية لردعهم عن استغلال المواطنين وتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب سلامة وصحة الناس.
الغش التجاري يمتد إلى مختلف القطاعات
يتعدد الغش التجاري في مصر ليشمل مختلف أنواع المنتجات، من قطع غيار السيارات إلى الأسلاك الكهربائية وغيرها من السلع التي تتعلق بسلامة المواطنين وأمانهم. في أسواق مثل التوفيقية، تُباع قطع غيار السيارات المقلدة، وغالبًا ما تكون مصنوعة في الصين، تحت مسمى قطع غيار أصلية يابانية أو كورية. النتيجة المباشرة لهذه الممارسات هي تعرض السائقين لحوادث خطيرة، حيث يؤدي استخدام إطارات سيارات مغشوشة إلى وقوع حوادث مميتة بسبب انفجار الإطارات أو اختلال توازن العجلات.
يتحدث العديد من المواطنين عن تزايد معدلات هذه الحوادث، التي تعود في الغالب إلى استخدام قطع غيار غير أصلية. وما يفاقم الوضع أن ارتفاع أسعار قطع الغيار الأصلية يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى المنتجات المقلدة، رغم معرفتهم بمخاطرها. هذا الأمر يستغله تجار الجملة الذين يوفرون هذه السلع المقلدة دون اعتبار للعواقب المميتة التي قد تترتب على استخدامها.
الرقابة الصحية غائبة والأطعمة الفاسدة تملأ الأسواق
الأمر لا يقتصر على السلع الصناعية فقط، بل يمتد إلى الأغذية التي تُباع في الأسواق دون أي رقابة صحية. في محيط محطات المترو وغيرها من المناطق الشعبية، تُعرض منتجات غذائية تحمل علامات تجارية معروفة، ولكنها في الواقع فاسدة وتفتقر إلى تاريخ صلاحية أو معايير جودة. هذه المنتجات تشكل خطرًا كبيرًا على صحة المواطنين، خاصة وأن الكثيرين يشترونها اعتمادًا على الأسعار الزهيدة دون إدراك حجم الخطر الذي قد يهدد حياتهم.
تتحدث بعض المصادر عن تزايد حالات التسمم الغذائي بين المواطنين نتيجة استهلاك هذه الأطعمة الفاسدة، والتي لا تخضع لأي نوع من الرقابة الصحية. في ظل غياب تام للجهات المسؤولة، يظل المواطنون ضحايا لهذه المنتجات التي تدخل الأسواق دون رادع حقيقي.
التأثيرات الاقتصادية الكارثية لانتشار الغش التجاري
تعد مشكلة الغش التجاري في مصر ليس فقط تهديدًا للصحة العامة، بل لها أيضًا تأثيرات اقتصادية خطيرة. الشركات التي تبني سمعتها على تقديم منتجات ذات جودة عالية تتعرض لخسائر فادحة نتيجة انتشار السلع المقلدة التي تحمل علامات تجارية مزيفة. هذه السلع تؤثر على سمعة الشركات الأصلية، وتؤدي إلى عزوف المستهلكين عن شراء منتجاتها، مما يضعها في موقف صعب من حيث المحافظة على حصتها في السوق.
من ناحية أخرى، يتسبب انتشار السلع المغشوشة في تدهور البيئة الاستثمارية في مصر. الكثير من المستثمرين يترددون في الدخول إلى السوق المصري خوفًا من عدم وجود حماية قانونية كافية لحقوق الملكية الفكرية والعلامات التجارية. وتشير التقديرات إلى أن حجم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذه الممارسات يصل إلى ملايين الجنيهات، ما يضع الاقتصاد المصري في مأزق كبير.
ورغم غياب الإحصائيات الرسمية حول حجم الخسائر، إلا أن الواضح هو أن تزايد الغش التجاري يؤدي إلى تآكل الثقة في السوق المحلية، سواء بين المواطنين أو المستثمرين. كل هذا يحدث في ظل وجود قوانين قديمة وغير رادعة لا تتناسب مع حجم الجريمة التي يرتكبها مروجو السلع المغشوشة.
قوانين ضعيفة وعقوبات غير رادعة
المفارقة الكبرى في هذه الأزمة هي أن العقوبات المفروضة على من يثبت تورطه في عمليات الغش التجاري غير كافية على الإطلاق. فالقوانين المعمول بها حاليًا تفرض غرامات مالية زهيدة تصل إلى 100 جنيه فقط، وهي عقوبة لا تردع المخالفين عن ممارسة أنشطتهم غير المشروعة. بدلاً من التصدي للظاهرة بشكل حاسم، تستمر الأسواق في امتلائها بالسلع المزورة، ما يهدد مستقبل الاقتصاد المصري وصحة المواطنين.
الحاجة الملحة اليوم هي إلى تغيير جذري في القوانين المعنية بالغش التجاري. يجب أن يتم تشديد العقوبات لتشمل السجن لفترات طويلة وغرامات مالية كبيرة تتناسب مع حجم الجريمة. كما يجب أن تتضمن هذه العقوبات إجراءات رادعة تجاه المنتجات التي تهدد الصحة العامة، مثل الأدوية والأغذية، حيث أن الغش في هذه السلع يمكن أن يتسبب في وفاة المواطنين أو تعرضهم لمضاعفات صحية خطيرة.
دور المواطن والرقابة المجتمعية
ورغم كل هذه المخاطر، لا يمكن أن يكون الحل بيد الحكومة وحدها. يجب أن يكون للمواطن دور فعال في مكافحة الغش التجاري والإبلاغ عن أي سلع مشبوهة تُباع في الأسواق. الوعي المجتمعي هو أحد الأسلحة المهمة في مواجهة هذه الظاهرة، حيث يجب على كل فرد أن يكون حذرًا من المنتجات التي يشتريها ويبلغ السلطات المختصة في حال رصد أي تلاعب أو غش في السلع المتاحة للبيع.
لا يمكن أن يستمر الوضع كما هو عليه، فاستمرار الغش التجاري دون رادع حقيقي سيؤدي إلى تدهور أكبر في الوضع الصحي والاقتصادي في البلاد. الحل يبدأ من وضع قوانين صارمة وتنفيذ رقابة مشددة على الأسواق، بالتوازي مع وعي مجتمعي شامل بخطورة هذه الظاهرة. إذا لم يتم التحرك الآن، فإن مستقبل الصحة العامة والاقتصاد المصري سيكون في خطر حقيقي.
مخاطر تهريب السلع عبر الحدود
إلى جانب ذلك، يزداد خطر تهريب السلع عبر الحدود، حيث تدخل إلى الأسواق المصرية كميات كبيرة من السلع المغشوشة عبر الحدود مع دول مثل ليبيا والسودان. هذه السلع المقلدة تجد طريقها إلى الأسواق المصرية بسهولة، في ظل ضعف الرقابة على المنافذ الحدودية. هذه المشكلة لا تقتصر على السلع الاستهلاكية فقط، بل تشمل أيضًا الأدوية والمنتجات التي تتعلق بصحة المواطنين بشكل مباشر.
تهريب هذه السلع يزيد من تعقيد الوضع، حيث تُباع بأسعار زهيدة تجذب المواطنين، الذين لا يعرفون مدى خطورتها على حياتهم. لا بد من تفعيل الرقابة على الحدود وتشديد العقوبات على المهربين لوقف تدفق هذه المنتجات الضارة إلى الأسواق المصرية.
ولا يمكن السكوت على هذا الوضع الكارثي، فلا بد من تدخل سريع وحاسم من الحكومة والمجتمع لوقف هذا الخطر الداهم.