الفساد والمحسوبية تعصف بثقافة وسط الصعيد والشواهد تتزايد على التواطؤ في المناصب
في إطار فضيحة جديدة تضاف إلى سلسلة من الفساد الإداري والمحسوبية في الهيئة العامة لقصور الثقافة، تتكشف وقائع جديدة تدين العديد من المسؤولين في فرعي ثقافة أسيوط وسوهاج وإقليم وسط الصعيد الثقافي، حيث تمثل هذه القضايا نموذجاً صارخاً لتجاوز القوانين واستغلال المناصب لخدمة المصالح الشخصية على حساب الثقافة والوطن.
منذ سنوات، يشهد قصر ثقافة الطفل بسوهاج حالة من الفوضى والتراجع الثقافي، حيث تم تعيين حنان محسن مديرة لهذا القصر رغم أن مؤهلها الأكاديمي لا يتناسب مع طبيعة الوظيفة.
فهي خريجة معهد كمبيوتر وتحمل درجة “أخصائي حاسب آلي”، ما يعد مخالفة صريحة للمعايير التي تضعها الهيئة لتولي المناصب الثقافية.
ورغم مرور أكثر من عشرة أعوام على توليها هذه المسؤولية، استمرت حنان محسن في موقعها رغم تجاوزها للمدة القانونية التي لا تتجاوز ثلاث سنوات وفقاً لقانون الخدمة المدنية.
ورغم محاولات الهيكلة التي أجريت داخل فرع ثقافة سوهاج، والتي أكدت عدم صلاحيتها لهذا المنصب، فإنها ظلت في مكانها، ما أثار استغراب العاملين في الفرع الذين تساءلوا عن سبب استمرارها في منصبها على الرغم من تلك المخالفات.
الأسبوع الماضي، خرجت حنان حسن، مديرة خدمة المواطنين، في جلسة خاصة لتؤكد وبكل صراحة أن “الذي له ظهر يظل في مكانه”، مشيرة إلى أن حنان محسن، رغم مرورها بتجديدين للهيكلة وعدم صلاحيتها، إلا أنها لا تزال في منصبها. هذا التصريح يكشف عن مدى المحسوبية والفساد الذي يعم أرجاء الهيئة ويغطي على أي محاولة لإصلاح الأوضاع.
أما بالنسبة لقصر ثقافة الطفل بسوهاج، فقد تحولت الأنشطة فيه إلى مجرد أوراق تزين صفحات الفيس بوك فقط، بينما في الواقع لا يحدث شيء على أرض الواقع. النشاط الثقافي هناك بات مفقوداً، وتحول القصر إلى مجرد شكل إعلامي غير حقيقي لا يخدم أي أهداف ثقافية ملموسة.
وبدلاً من أن تكون إدارة القصر تهدف إلى تفعيل دور الثقافة في المجتمع، أصبح القصر مسرحاً للاستغلال الشخصي والتمكين لمصالح خاصة.
وبالحديث عن إدارة قصر ثقافة سوهاج، نجد أن مديره الحالي قد تم اختياره بناء على لجنة هيكلة أقرّت تعيينه كمدير للقصر، رغم أنه كان يشغل وقتها وظيفة “موظف درجة ثانية (أ)”، في مخالفة صريحة لقرار الهيكلة الذي ينص على ضرورة أن يكون الشخص المعين في هذا المنصب من ذوي المؤهلات العالية.
ورغم وجود العديد من المخالفات التي تم تسجيلها ضده، بما في ذلك شكاوى من داخل الهيئة ومن العاملين في الفرع، إلا أن التحقيقات لم تفض إلى أي إجراء حاسم.
وفي سياق آخر، ينكشف التواطؤ بين مسؤولين آخرين في إقليم وسط الصعيد، مثل أحمد حمزة، الذي تم تعيينه مدرب حاسب آلي بنادي التكنولوجيا رغم أنه كان يفترض أن يستمر في هذا المنصب وفقاً للوظائف المعتمدة، لكنه تمت ترقيته بالمجاملة وبفضل علاقاته الشخصية والوساطات.
ويقال إنه يتمتع بعلاقات قوية مع المسؤولين في الهيئة الذي تم ربطه بمصالح شخصية وقد تم استخدام هذا المنصب في استراتيجيات مجاملات، حيث تم تخصيص أموال ضخمة للقوافل الثقافية التي يشرف عليها حمزة، دون أن يقوم بأي دور حقيقي في تحسين الوضع الثقافي في المنطقة
لم يتوقف الفساد عند هذه الحدود، بل طال حتى المسؤولين الماليين في الفرع مثل خالد خليل، القائم بأعمال مدير مالي وإداري لفرع ثقافة أسيوط، الذي تم تعيينه رغم أنه لا يحمل المؤهلات المطلوبة وفقاً لللوائح.
وبناء على ذلك، أصبحت قرارات الهيئة في أسيوط لا تعكس مصلحة العمل أو المصلحة العامة بل هي محكومة بالمصالح الشخصية لبعض الأفراد الذين يتحكمون في مراكز القوى من خلف الستار.
أما أحمد عثمان، الذي تم تعيينه في عدة مناصب تتنوع ما بين معاون فرع ثقافة أسيوط، مشرف سينما الشعب، ومسؤول في شركة النظافة، فقد تم تكريمه بناء على علاقاته مع أصحاب النفوذ في الهيئة. ورغم كل هذه المناصب، إلا أن دوره في تحسين الأداء الثقافي في المنطقة لا يتعدى كونه “موظفاً سوبر” يحصل على راتب غير مستحق مقابل عمل محدود جداً.
ويتجلى الفساد بشكل فاضح في هيكلة المواقع، كما يظهر في قرار تعيين أحمد حمزة مديراً لقصر ثقافة جمال عبدالناصر ببني مر التابع لفرع ثقافة أسيوط، في مخالفة واضحة للقانون، حيث تم تجاوز اللوائح التي تحظر تعيين مديري المواقع دون موافقة شخصية من رئيس الهيئة.
وهذا القرار يبدو وكأنه خطوة أخرى في إطار تأكيد سيطرة ضياء مكاوي، القائم بأعمال رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي، على المفاصل الحيوية في الهيئة لتحقيق مصالحه الشخصية وتوسيع دائرة نفوذه.
والغريب أن بعض الموظفين الذين تم تثبيتهم في مناصب مختلفة، مثل حنان محسن، وأيهاب عسكر، وبهاء أحمد توفيق، وأحمد حمزة، كانوا في الأصل مدربين في نوادي تكنولوجيا المعلومات.
هذا القرار يعد انتهاكاً واضحاً للقانون، حيث ينص البند الثاني عشر من لائحة تشغيل نوادي تكنولوجيا المعلومات على عدم إجراء تغييرات في الأفراد أو المسؤوليات داخل هذه النوادي إلا بموافقة الإدارة العامة، وهو ما لم يحدث.
إن هذه الأمثلة تمثل جزءاً بسيطاً من سلسلة الفضائح التي تورط فيها مسؤولو الهيئة العامة لقصور الثقافة في إقليم وسط الصعيد الثقافي.
الواقع داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة في إقليم وسط الصعيد يعكس منظومة فساد إداري ممنهجة تهدف إلى تأكيد السيطرة على المناصب الثقافية بواسطة المحسوبية والتواطؤ.
ما يحدث هو بمثابة عملية نهب ممنهج لمقدرات الثقافة في مصر، حيث يتم تهميش الكفاءات الحقيقية وتعيين أشخاص غير مؤهلين في مناصب حساسة.
هذه الممارسات تقوض بشكل خطير العمل الثقافي وتزيد من تراجع الأنشطة الثقافية التي من المفترض أن تكون محركاً أساسياً للنهضة المجتمعية.
فمن الواضح أن المحسوبية والفساد يشكلان حجر الزاوية في إدارة هذا القطاع الحيوي، مما يساهم في تراجع الأنشطة الثقافية في العديد من المناطق ويحولها إلى مجرد أدوات لتأمين المناصب وتوزيع المصالح الشخصية.
إن ما يحدث في هذه الهيئة العامة لقصور الثقافة يعكس صورة قاتمة عن واقع الثقافة في مصر ويكشف عن أن من يستحقون المناصب الثقافية لا يمكنهم الوصول إليها في ظل هذا الفساد المستشري.