أوكرانيا تعاني من عجز ضخم وميزانية دفاعية ضخمة في ظل الأزمة المالية
في سياق استمرار الحرب التي دخلت عامها الثالث، اعتمد البرلمان الأوكراني ميزانية الدولة لعام 2025 بعد مناقشات موسعة استمرت لأكثر من شهرين. وعلى الرغم من التحديات الضخمة التي تواجه البلاد،
أقر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الميزانية التي تراوحت قيمة العجز فيها حوالي 39 مليار دولار من إجمالي 94 مليار دولار،
مما يعكس فشل الحكومة في سد هذا العجز بشكل مستدام من خلال الدعم الدولي، وهو ما أثار تساؤلات حول قدرة أوكرانيا على تجاوز هذه الأزمة المالية.
أولوية القطاع العسكري وتقليص الدعم الاجتماعي
رغم أن الميزانية الخاصة بالعام المقبل تماثل إلى حد كبير تلك التي تم تخصيصها للعام الماضي، إلا أن الحصة الأكبر من هذه الميزانية قد تم تخصيصها للقطاع العسكري والأمني، حيث تم تخصيص حوالي 61% من الميزانية لهذا القطاع، أي ما يعادل 54 مليار دولار. وهذه الزيادة في الإنفاق العسكري تمثل ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بالأعوام السابقة،
حيث يذهب جزء من هذه الأموال لتمويل الجيوش والمعدات العسكرية مثل الطائرات المسيرة والأسلحة المتطورة. لكن هذا التحول في الأولويات لم يمر بدون ثمن، حيث تم تقليص النفقات في مجالات أخرى أبرزها الرعاية الاجتماعية، التي شهدت تراجعًا في ميزانيتها من 11.4 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار.
وتضمن مشروع الميزانية الذي تم إقراره أيضًا سلسلة من الإجراءات التقشفية، مثل إعادة تقييم نظام المعاشات التقاعدية في البلاد والتي تستهلك ما يقرب من 1.8 مليار دولار سنويًا.
كما أعلنت الحكومة عن خطط لتقليص برنامج المساعدات الحكومية الموجهة لأكثر من 400 ألف شخص، وهو ما يضاعف معاناة الفئات الأكثر تضررًا في المجتمع الأوكراني.
الحكومة تطمئن والمخاوف تزداد
رغم هذه التحديات، سارعت الحكومة الأوكرانية إلى طمأنة المواطنين بالقول إن الأمور ستظل تحت السيطرة في العام المقبل. رئيس الحكومة الأوكرانية، دينيس شميهال، عبر عن ثقته في قدرة البلاد على تجاوز الأزمات الاقتصادية، مشيرًا إلى الدعم المستمر من الحلفاء الغربيين وصندوق النقد الدولي. من جانبها، أكدت رئيسة لجنة الميزانية في البرلمان، روكسولانا بيدلاسا، أن الميزانية تتمحور حول الأولويات الدفاعية، وأنها تتناسب مع الوضع الراهن، مؤكدة أن الميزانية لن تؤثر سلبًا على المناطق المتضررة من الحرب، بل ستزيد من الدعم المخصص لها.
لكن رغم هذه التصريحات، لا يمكن تجاهل التحذيرات التي أطلقها بعض الخبراء الذين اعتبروا أن أوكرانيا قد تواجه أسوأ عام مالي في تاريخها المعاصر. في تصريحات خاصة، أشار الخبير الاقتصادي إيغور إلشيشين إلى أن أوكرانيا قد تجد نفسها في مواجهة صعوبات مالية غير مسبوقة، خصوصًا في ظل تغييرات محتملة في السياسات الأمريكية التي قد تؤثر على الدعم المالي الغربي للبلاد.
العملة الوطنية في خطر وارتفاع التضخم المتوقع
من ضمن التوقعات السلبية التي أوردتها الحكومة في ميزانيتها، كانت هناك إشارات إلى انخفاض محتمل في قيمة العملة الوطنية (هريفنيا)، حيث توقعت الحكومة تراجع قيمتها من 41.5 هريفنيا مقابل الدولار إلى 45 هريفنيا في ظل استمرار الحرب، أو ربما تظل على حالها في حال توقف القتال. هذه التوقعات لا تقتصر على تراجع العملة فقط، بل تشمل أيضًا ارتفاعًا في معدلات التضخم التي من المتوقع أن تصل إلى 9.5% بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية والأجور، ما يعني أن القوة الشرائية للمواطنين ستتأثر بشكل كبير.
إضافة إلى ذلك، أشار الخبراء إلى أن التوقعات بشأن النمو الاقتصادي ليست متفائلة، حيث تشير الحكومة إلى إمكانية تحقيق نمو بنسبة 2.7% في الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذا الرقم قد يكون غير كافٍ لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في ظل الظروف الحالية.
القطاع الطاقي والصناعات المحلية مهددة
من أبرز التحديات التي تواجهها أوكرانيا أيضًا قطاع الطاقة الذي تعرض لأضرار كبيرة نتيجة الحرب المستمرة. وأوضح الخبراء أن إصلاح البنية التحتية للطاقة سيكلف الدولة مليارات الدولارات، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على الميزانية المحدودة. كما أن غياب التخصيص الكافي لقطاع الطاقة في الميزانية يعكس فشل الحكومة في مواجهة الأزمة الحقيقية التي تهدد الصناعات المحلية، وهو ما قد يؤدي إلى توقف بعض المصانع أو زيادة الأسعار على المواطنين.
التقشف والاعتماد على الدعم الخارجي
في ظل هذه التحديات الاقتصادية، يعتقد الخبراء أن أوكرانيا ليس أمامها سوى خيار واحد وهو اتخاذ إجراءات تقشفية صارمة. يشير البعض إلى أن المساعدات الدولية التي كانت توجه إلى العديد من القطاعات في السنوات الماضية ستنخفض بشكل ملحوظ في عام 2025،
مما سيجعل الحكومة تعتمد بشكل أكبر على إيراداتها المحلية لتغطية النفقات الأساسية. وفي هذا السياق، يعتبر الخبير إلشيشين أن الإصلاحات في قطاع البنية التحتية مثل الطرق ستتم بالاعتماد على الإيرادات المحلية، بينما ستوجه المساعدات المالية الدولية إلى الأولويات مثل القطاع العسكري.
ورغم هذه الصعوبات، يأمل الخبراء في أن تستمر الدول الغربية في تقديم الدعم المالي لأوكرانيا، ولكن شبح التغييرات في السياسات الأمريكية قد يعيد تشكيل موازين القوى المالية في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الوضع المالي لأوكرانيا.