الفساد الإداري في تعيين مديرة قصر الإبداع الفني وفضائح الهيئة العامة لقصور الثقافة
في ظل توالي الأزمات التي يعاني منها قطاع الثقافة في مصر، ظهرت قضية فساد إداري ومالي فاضح يتعلق بتعيين نورا مصباح كرامة مديرة لتسيير أعمال قصر الإبداع الفني بمدينة 6 أكتوبر، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول كيفية إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة لشؤونها، وكيفية تدفق الفساد داخل جدران هذه الهيئة العريقة.
ففي تاريخ 31 أكتوبر 2023، تم تعيين نورا مصباح كرامة مديرة لتسيير أعمال قصر الإبداع الفني، وهي موظفة غير متخصصة في المجال الفني ولا تملك الخبرة الكافية لإدارة مثل هذا المرفق الثقافي الهام.
ومصباح حاصلة على مؤهل ليسانس آداب قسم عبري، ولم تقوم بأي نشاط ثقافي أو فني لها داخل القصر، بل كانت تُقضي إجازات بدون مرتب وتعمل نصف وقت في وظيفتها السابقة. ورغم كل هذه الثغرات المهنية، تم اختيارها لتولي المنصب الحساس، وذلك بناءً على توجيه من الهيئة العامة لقصور الثقافة.
الهيئة، التي كانت على علم بوجود العديد من الأكفاء داخل المؤسسة، تجاوزت تماماً طلبات المتخصصين في الفنون من أصحاب الخبرات العميقة والشهادات العليا مثل الماجستير والدكتوراه،
واختارت نورا مصباح كرامة رغم اعتراضات الكوادر الفنية التي كانت قد قدمت مشاريع لتطوير القصر، وتجاهلت الهيئة تماماً الخبرات والإمكانات المتوفرة لدى موظفي القصر الذين كانوا أحق بتولي هذا المنصب بناءً على كفاءاتهم وأقدميتهم.
ما يزيد الطين بلة هو ما كشفت عنه التحقيقات حول قضايا فساد إداري على نورا مصباح، حيث كانت متورطة في قضايا ضد زملائها في القصر.
وفي القضية رقم 640 لسنة 2023، تم التحقيق معها في النيابة الإدارية بسبب تطاولها على أحد الزملاء وطرده بطريقة غير لائقة من قسم الفنون التشكيلية، كما أصدرت ضدها عقوبة تأديبية تمثلت في خصم سبعة أيام من راتبها.
ولم تكن هذه القضية الوحيدة ضدها، بل تم فتح تحقيق آخر في قضية رقم 649 لسنة 2023، وذلك لتلفيق تهم ضد زملائها في القصر بهدف التخلص منهم لتحقيق مكاسب شخصية.
وعلى الرغم من هذه التجاوزات الخطيرة، فإن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ممثلة في مديرها العام منى شعير، تمادت في تعيين نورا مصباح كمديرة لتسيير أعمال القصر.
وهي إدارة متورطة في العديد من المشاكل الإدارية والمالية. فقد كانت الهيئة تتغاضى عن قضايا الفساد الإداري وتعيين شخصيات غير مؤهلة للمناصب القيادية، مما ساهم في انهيار العديد من الأنشطة الثقافية والفنية في القصر.
تحت إدارة نورا مصباح، ازدادت المشاكل الإدارية داخل قصر الإبداع الفني بشكل غير مسبوق. ففي أول اجتماع لها مع موظفي القصر، أصدرت قرارًا إداريًا يقضي باستبعاد مسؤولة الشؤون الإدارية بالقصر، وهي موظفة ذات درجة أولى أ، بطريقة مهينة تسببت في إصابتها بحالة إغماء ونقلها إلى غرفة أخرى.
لم تكتفِ بذلك، بل قامت بنقل الموظفين المتخصصين في الفنون التشكيلية إلى غرف نائية مليئة بالأغراض القديمة وغير المخصصة للعمل، في تعسف واضح.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل استمرت نورا في استغلال سلطتها بشكل فاضح، حيث أصدرت أوامر إدارية تقضي بالعمل في فترتين صباحية ومسائية، مما أثر سلبًا على الحياة الشخصية للعاملين في القصر وخلق حالة من التوتر والإرهاق بينهم. كان كل هذا يتم تحت إشراف الهيئة العامة لقصور الثقافة، التي كانت تسير الأمور كما لو أن لا شيء يحدث.
وقد تقدم العديد من العاملين في القصر بمذكرات جماعية إلى الهيئة، شجبوا فيها الأوضاع المتردية التي يعيشها العاملون تحت إدارة نورا مصباح. ومع ذلك، لم تحرك الهيئة ساكنًا ولم تستجب لتلك الشكاوى المتكررة.
وبدلاً من ذلك، كان يتم تجاهل هذه المذكرات أو حفظها دون النظر فيها. ومن المؤسف أن الهيئة تمادت في دعمها لهذه المديرة المتورطة في العديد من المخالفات، مما يزيد من حالة الفساد المستشري داخل الهيئة.
في تطور مثير، قامت نورا مصباح أيضًا بتعيين موظفة غير متخصصة في قسم الفنون التشكيلية، وهي حاصلة على بكاليروس تجارة، فقط لأنها كانت من المقربين إليها.
وهذا يعد خرقًا صريحًا للقوانين والقرارات الصادرة من الهيئة بشأن شروط العمل في الأقسام الفنية. بالإضافة إلى ذلك، تم تبديد الأعمال الفنية التي كانت من نتاج الفنانين المنقولين، ووضعت مكانها لوحات ضعيفة من خارج القصر.
ورغم كل هذه المخالفات الواضحة، استمرت الهيئة في دعم نورا مصباح في منصبها، مما يثير التساؤلات حول الفساد داخل هذه الهيئة التي يجب أن تكون نموذجًا للشفافية والنزاهة.
فكيف يتم تعيين مديرة قصر الإبداع الفني التي تفتقر إلى أبسط مقومات الإدارة وتغض الطرف عن قضايا فساد وإساءات جسيمة تجاه زملائها؟ وهل كان هذا التعيين مدفوعًا بنفوذ زوجها المتقاعد والذي يشغل منصبًا هامًا في الهيئة؟
وقد أكد العديد من الزملاء أن هذا التعيين كان جزءًا من صفقة كبرى، حيث قامت الهيئة بتعيين نورا بناءً على نفوذ عائلتها، وهو ما تبين من خلال التحركات والضغوط التي مورست في سبيل إسناد هذا المنصب إليها، رغم تجاوزاتها العديدة.
وزادت الأمور سوءًا بعد زيارة وزير الثقافة، الدكتور أحمد فؤاد هنو، لقصر الإبداع الفني في أغسطس 2024، حيث تبين له أن الهيئة قد أرسلت له صورة مغلوطة عن الأوضاع داخل القصر، مما أدى إلى عدم اتخاذ أي إجراءات جادة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الأوضاع المأساوية.
ويظل التساؤل الأكبر هو: إلى متى ستستمر هذه الممارسات الفاسدة داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة؟ ولماذا لا يتم محاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات الإدارية والمالية التي أدت إلى تدمير القيم الثقافية والفنية في مصر؟
إن الوضع الراهن يشير إلى أن هناك حاجة ملحة لإصلاح حقيقي يبدأ من أعلى مستويات الهيئة وصولاً إلى أدنى مستويات التنفيذ لضمان عودة الثقافة والفنون إلى مكانتها الطبيعية في المجتمع المصري.