مستنقع الرذيلة والفساد في إقليم وسط الصعيد: شبكة فساد تهدد مستقبل الثقافة
تسعى وزارة الثقافة، بما تحمله من رسالة سامية، إلى تعزيز مكانة الثقافة والفنون في مصر، لكنها أصبحت في السنوات الأخيرة رهينة شبكة من الفساد المالي والإداري التي تنخر في جسد المؤسسات الثقافية على جميع الأصعدة.
إقليم وسط الصعيد الثقافي أصبح نموذجاً صارخاً لهذه الانحرافات التي بدأت تؤثر بشكل بالغ على الأداء المؤسساتي، حيث تسير الأمور هناك في اتجاهاتٍ غريبة بعيدة عن رسالتها الأصلية.
الفضائح التي تتكشف حول هذا الإقليم تثير صدمة؛ فبينما يفترض أن تكون الثقافة والفنون هي رأس المال الوطني في هذه الفترة، فإننا نجدها تقع في مستنقع من الرذيلة والانحلال الأخلاقي، وذلك من خلال ممارسات مريبة تديرها شخصيات متنفذة، أبرزهم ضياء مكاوي، القائم بأعمال رئيس الإقليم.
الفوضى التي تعيشها الهيئة العامة لقصور الثقافة في إقليم وسط الصعيد الثقافي تُظهر أن الفساد لا يقتصر على الأموال التي تُسرق أو المشاريع التي تُهدَر، بل يتجاوز ذلك إلى الفساد في الذمم والأخلاق، وهو ما أصبح واضحاً من خلال التلاعب في الوظائف ومنح الامتيازات لمن لا يستحقها.
أحد أبرز الشواهد على ذلك هو ضياء مكاوي الذي يُعتبر محرك هذا الفساد في الإقليم، إذ يبدو أن دوره لم يقتصر على هدر المال العام، بل امتد إلى تسهيل التعدي على القيم الأخلاقية.
مكاوي، الذي يفترض أن يكون على رأس الهيئة ليحارب الفساد ويحسن من أداء مؤسساتها، أصبح نفسه جزءاً من المشكلة، حيث تم الكشف عن تورطه في العديد من الممارسات المشبوهة، من بينها تسهيل حصول بعض الأشخاص على أموال الدولة بطرق غير شرعية، مستغلاً منصبه بشكل بشع.
وعندما يتم التنبيه على هذه الأفعال من قبل من هم في موقع المسؤولية، يتم إغلاق الملفات بدعوى غياب البديل، رغم أن البدائل موجودة فعلاً.
إلى جانب مكاوي، ظهرت أسماء عديدة تستغل مراكزها في الهيئة لتحقيق مصالح شخصية، ما يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقات داخل الهيئة. على سبيل المثال، “و. د.” التي تعمل حالياً كـ “باحثة فنون تشكيلية”، تستمر في التصرف وكأنها المديرة الفعلية لأحد القصور الثقافية، واحيانا بمسمي مدير النشاط الفني رغم أن هذا المنصب لا وجود له في هيكل الهيئة.
وقد تردد أن “و. د.” كانت قد ادعت أمام موظفي فندق أنها مديرة القصر أثناء فترة رئاسة هشام عطوة للهيئة العامة لقصور الثقافة، حتى إنها حاولت دخول غرفة هشام عطوة، وهو ما قوبل بالرفض إلا بعد تدخل رئيس الهيئة.
كما أن هناك علاقة مشبوهة بين ضياء مكاوي و”و. د.” تتجاوز نطاق العمل الرسمي، حيث تم مشاهدتهما معاً في أكثر من مناسبة، مما يثير العديد من التساؤلات حول طبيعة هذه العلاقة التي تسببت في إهدار المال العام.
ما يحدث في هذا السياق يعكس مستوى الفساد والخلل الوظيفي الذي يعاني منه الإقليم، حيث يتم تمكين أشخاص من مناصب وهمية فقط بسبب علاقاتهم الشخصية.
أما “ر. ح.” و”ر. ا.” فهما مثال آخر على استمرار هذه الممارسات. على الرغم من عملهما في وظائف متعددة في الإقليم، إلا أن العديد من الشهادات تشير إلى أن هناك تجاوزات خطيرة ترتكب من قبلهما، بما في ذلك تصرفات مشبوهة تتجاوز حدود العمل الرسمي.
ومن جانب آخر، فإن “ش. ع.” و”ش. م.” تم رصد علاقاتهما المشبوهة مع ضياء مكاوي، حيث يقوما بزيارة مكتب ضياء مكاوي بشكل متكرر، تحت ذرائع غير منطقية، ويقال إن “ش. م.” تذهب إلى المكتب في أوقات متأخرة من الليل دون أي سبب عمل حقيقي.
أما الفضيحة الكبرى التي تهدد سمعة الهيئة بشكل جدي، فهي تلك المتعلقة بالتلاعب في توزيع المكافآت والترقيات. حيث يُمنح بعض الأفراد مكافآت ضخمة بناءً على العلاقات الشخصية وليس على استحقاقهم الفعلي، وهذا يشمل “خ. ع.” الذي تم منحه زيادة كبيرة في المكافآت تصل إلى 70%، رغم أن هذا النوع من الزيادات لا يتناسب مع منصبه في هيكل الهيئة.
هذا التلاعب في المكافآت له تأثيرات خطيرة على معنويات الموظفين الآخرين، ويشجع على المزيد من الفساد والتواطؤ.
والأسوأ من ذلك هو وجود تصرفات غير لائقة من قبل بعض الموظفين مثل “خ. ع.” الذي تم توجيه العديد من الاتهامات له بكتابة شكاوى ضد موظفات في الهيئة بناءً على تعليمات من ضياء مكاوي.
تلك الشكاوى كانت تهدف إلى تصفية حسابات شخصية أو تحقيق مكاسب إضافية، مما يساهم في تعزيز حالة من الفوضى داخل الهيئة ويزيد من الضغوط على الموظفين الشرفاء الذين لا يجدون من يدافع عن حقوقهم.
تزداد هذه الفضائح تعقيداً عند الحديث عن استخدام مكاوي وزملائه بعض الأفراد لأغراض شخصية في إطار الفساد. هناك العديد من الأفراد الذين تم استغلالهم في نشاطات غير قانونية،
حيث تردد أن “ح. م.” كانت قد مارست علاقات غير مشروعة مع قيادات في إقليم وسط الصعيد الثقافي مثل “ض. م.” و”ج. أ.” و”أ. ص.” و”ن. ا.”، وهو ما يساهم في نشر الفساد داخل الهيئة وتوسيع دائرة المستفيدين من هذه الشبكة.
ما يحدث في إقليم وسط الصعيد الثقافي يهدد ليس فقط المال العام، بل القيم الأخلاقية التي يفترض أن تقودنا نحو بناء مجتمع أفضل.
التلاعب بالوظائف والمال والتعامل مع الموظفين بناءً على المحسوبية والشخصانية يتناقض بشكل صارخ مع القيم التي من المفترض أن تتحلى بها وزارة الثقافة وفروعها.
إذا استمر هذا الفساد بهذه الوتيرة، فقد يكون من الصعب العودة إلى الطريق الصحيح، وستظل الثقافة المصرية في الأقاليم رهينة لهذه الشبكة من الفساد المستشري الذي يهدد كل شيء.
السؤال الآن: هل ستستمر وزارة الثقافة في تجاهل هذه الفضائح المتتالية؟ وهل ستكون هناك محاسبة حقيقية لأولئك الذين حولوا العمل الثقافي إلى شبكة من الفساد لا تراعي لا القانون ولا الأخلاق؟