في وقت تتعرض فيه المجتمعات العربية لتحديات غير مسبوقة في ظل الانفتاح العالمي، جاء تحذير شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب ليعكس القلق العميق من التأثيرات السلبية التي تتسرب إلى الشباب العربي، ويؤكد ضرورة العودة إلى القيم الأصيلة التي كانت تشكل حجر الزاوية للمجتمعات السابقة.
وقد شدد الطيب على أن القيم التي تحث على الاحترام المتبادل بين الأفراد، وتقدير كبار السن، وحب العلم، تعد اليوم أكثر ضرورة من أي وقت مضى، في ظل الخطر الداهم الذي يهدد هويتنا الثقافية والدينية، بسبب التحديات الفكرية والاجتماعية التي تجتاح العالم العربي في هذه المرحلة الدقيقة.
أوضح شيخ الأزهر أن الغزو الفكري والثقافي الذي يواجهه الشباب اليوم ليس مجرد تهديد عابر بل هو عملية منظمة تهدف إلى إعادة تشكيل العقل العربي، واستبدال المبادئ التي تربى عليها الآباء والأجداد بمفاهيم مستوردة قد تتناقض مع ثقافتنا وهويتنا.
وفي الوقت الذي يكتسب فيه العالم اليوم سمة التفاعل العالمي، نرى أن هذا الانفتاح الثقافي قد تحول إلى ساحة للصراع بين الحفاظ على التقاليد والقيم الراسخة، وبين التدفق الهائل للأفكار التي تسعى إلى طمس ملامحنا الثقافية والاجتماعية.
وذكر الطيب أن أكثر ما يثير القلق هو ما يواجهه الشباب من محاولات مستمرة لمحو التقاليد الاجتماعية والأخلاقية التي شكلت لقرون طويلة هوية المجتمعات العربية. هذا الهجوم المتواصل على البنية الفكرية والاجتماعية العربية لا يقتصر على جانب واحد فقط بل يمتد ليشمل مختلف المجالات بدءاً من وسائل الإعلام إلى الدراما والفن، مروراً بالمؤسسات التعليمية التي تأثرت سلباً بتأثيرات ثقافية قد لا تكون متوافقة مع قيمنا المجتمعية.
وأكد شيخ الأزهر أن الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية والثقافية تواجه الآن تحديات ضخمة تتعلق بما يطلق عليه الانفتاح الزائف، الذي يسعى إلى تقليد الغرب على حساب هويتنا. وأضاف أن هذا التقليد الأعمى قد أسهم بشكل كبير في تقليص قيمة التعليم والأخلاق السليمة، وأدى إلى حدوث فجوة في المفاهيم التي تنشأ من خلالها الأجيال الجديدة. وأشار إلى أن التقاليد التي كانت تُعتبر أسساً لبناء مجتمع قوي متماسك أصبحت مهددة بشكل غير مسبوق، وهو ما يتطلب تضافر الجهود للحفاظ عليها وحمايتها من محاولات التغيير المتسارعة.
ومن جانب آخر، وجه الطيب تحذيراً خاصاً بشأن تأثير الدراما العربية على الشباب، مؤكداً أن الأعمال الفنية التي تُعرض حالياً قد تحتوي على محتوى يتناقض بشكل صارخ مع القيم الدينية والتقاليد الاجتماعية التي يجب أن تحافظ عليها المجتمعات الشرقية. وأوضح أن هذا النوع من الإنتاج الفني قد يسهم بشكل غير مباشر في ترويج أفكار غريبة عن ثقافتنا وهو ما ينعكس سلباً على الأجيال القادمة. وأضاف أن هناك ضرورة ملحة لإنتاج أعمال فنية تُسهم في تشكيل وعي مجتمعي سليم، تركز على القيم الأصيلة التي تحافظ على هوية الأمة وتتناسب مع قيمها الثقافية.
وتطرق شيخ الأزهر إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تضطلع به الدراما العربية في هذه المرحلة الحرجة، حيث يجب أن تكون الدراما العربية وسيلة فعالة لبناء وعي مجتمعي سليم بعيد عن التناقضات الثقافية التي لا تتوافق مع مجتمعنا. وأكد أن الأعمال الفنية يجب أن تُراعي خصوصية المجتمع العربي والإسلامي، وأن تكون أداة تعبير عن القيم الأصيلة التي قامت عليها حضارتنا، بدلاً من أن تكون أداة لتقديم نماذج اجتماعية أو ثقافية تسعى إلى تقليد الثقافات الأجنبية دون مراعاة للفروق الجوهرية التي تميز ثقافتنا.
وتحدث الدكتور أحمد الطيب عن ضرورة وجود نهضة شاملة في المؤسسات التربوية التي يجب أن تعود إلى التأسيس على القيم التربوية الصادقة التي تمثل قوة المجتمع وأصالته. وقال أن التعليم يجب أن يكون أداة لبناء العقول، وليس مجرد وسيلة للحصول على الشهادات التي في كثير من الأحيان لا تعكس المستوى الفعلي للعلم والمعرفة. كما أكد على أهمية إشراك الأسرة في عملية التربية، باعتبارها المسؤولة الأولى عن غرس القيم في النفوس، وأن تكون على دراية بكافة المؤثرات الخارجية التي قد تؤثر على الأبناء سلباً.
وفي ختام حديثه، شدد شيخ الأزهر على أن الوقت قد حان لإعادة تقييم ما يُعرض في الإعلام العربي من محتوى، والتركيز على ما يخدم القيم المجتمعية الأصيلة. وخلص إلى أنه من الضروري وضع استراتيجية فكرية وثقافية تُعيد الأمة إلى رُشدها وتحافظ على هويتها، وتُرسخ قيم الاحترام المتبادل، والمحبة بين أفراد المجتمع، بما يخدم الأجيال القادمة ويوفر لهم بيئة تربوية سليمة تحميهم من الأخطار الفكرية التي تتربص بهم.