في وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية حادة لا يمكن تجاهلها، تتواصل التصريحات الحكومية التي تبرر الفشل الذريع في التعامل مع ملف سعر صرف الجنيه وتدهور الاقتصاد الوطني، حيث لا يزال المسؤولون يتعاملون مع الأزمة بمنهجية غير فعالة تفتقر إلى الجرأة في اتخاذ القرارات الحاسمة لمواجهة التحديات الاقتصادية الطاحنة.
وعوضًا عن تحمل المسؤولية عن القرارات التي ساهمت في تدهور الوضع، يبدو أن المسؤولين يعكفون على تقديم تبريرات واهية لا تسمن ولا تغني من جوع، بما في ذلك التصريحات الأخيرة التي تفتقر إلى المصداقية، إذ يعزو أحد المسؤولين الارتفاع المستمر للدولار إلى العوامل العالمية فقط، متجاهلاً التأثيرات المحلية والسياسات الاقتصادية التي تسببت في تفاقم الأوضاع.
منذ فترة طويلة، سادت حالة من التذبذب الحاد في سعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، مما ألحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد المحلي.
التصريحات الحكومية لم تنقطع عن التأكيد على أن السوق المصرية تعمل في إطار آليات العرض والطلب، وأنه لا توجد أي تأخيرات في توفير احتياجات الصناعة والتجارة، وهو ما يفضح تهافت هذه التصريحات حينما نضع في الاعتبار الواقع الاقتصادي المرير الذي يعاني منه المواطنون.
فالحكومة بدلاً من أن تقدم حلولًا حقيقية للأزمة، تستمر في التغاضي عن أبعاد المشكلة، وتكتفي بالتذرع بالعوامل العالمية التي لا علاقة لها بحجم الفشل المحلي في إدارة الملف الاقتصادي.
تخبط سياسات الحكومة لا يتوقف عند مجرد التصريحات، بل يمتد ليشمل الإجراءات التنفيذية التي ثبت فشلها في تحسين أوضاع البلاد الاقتصادية.
على الرغم من الاتفاقيات المبرمة مع المؤسسات الدولية، وخاصة مع صندوق النقد الدولي، إلا أن الجنيه المصري شهد تدهورًا مستمرًا، مما يشير إلى عدم جدية الحكومة في اتخاذ إجراءات حاسمة ومؤثرة لحماية الاقتصاد المحلي. فحتى في الوقت الذي تبنت فيه الحكومة سياسة سعر الصرف المرن، الذي كان من المفترض أن يساهم في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، لم تُترجم هذه السياسة إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع. بل إن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا، حيث تفاقم التراجع في قيمة الجنيه وأصبح المواطن المصري يعاني من تآكل مستمر في قدرته الشرائية، في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق.
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حتى الآن لم تكن سوى محاولات يائسة للتغطية على فشل السياسات الاقتصادية، دون تقديم حلول جذرية يمكن أن تعيد الثقة في الجنيه المصري.
فمن غير المقبول أن تظل الحكومة تدعي أن العوامل العالمية، مثل الانتخابات الأميركية، هي السبب الوحيد في ارتفاع الدولار مقارنة بالجنيه، في حين أن هناك أسبابًا محلية وأخرى تتعلق بالإدارة السيئة للموارد، وهي الأسباب التي كانت ولا تزال السبب الرئيسي في الوضع الذي وصلت إليه العملة المحلية. إن هذا التصريح لا يمكن اعتباره سوى محاولة للتقليل من حجم الأزمة وتوجيه الأنظار بعيدًا عن المسائل الحقيقية التي تحتاج إلى معالجة.
أرقام التضخم وسعر الصرف هي الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، حيث أظهرت الدراسات والتوقعات الاقتصادية أن الجنيه المصري قد يواصل انخفاضه الحاد في الأشهر القادمة، ليصل إلى مستويات قد تصل إلى 50 جنيهاً للدولار بنهاية عام 2025، وهو ما يعني أن الوضع قد يزداد سوءًا قبل أن يتحسن. في الوقت الذي يظهر فيه التضخم بأرقام مرتفعة، مما يعكس التقاعس الحكومي في اتخاذ إجراءات ملموسة للحد من هذا الوضع، يواصل المواطن المصري دفع ثمن الفشل الحكومي، بينما لا تزال الحكومة تستخف بحجم الأزمة وتكتفي بتقديم الوعود غير القابلة للتحقيق.
على الرغم من كل هذه المعطيات، لا تبدو هناك أي خطوات جادة من الحكومة لمحاسبة المسؤولين عن تدهور الاقتصاد. إن السكوت عن محاسبة الفاسدين والذين أسهموا في الفشل الذريع للسياسات الاقتصادية يعكس حقيقة أن هناك فسادًا مستشريًا في مفاصل الدولة، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويضعف أي فرصة لإصلاح حقيقي. فلم يعد من الممكن تحميل العوامل العالمية فقط مسؤولية انهيار الجنيه وتدهور الاقتصاد؛ لأن هناك ما هو أكثر من ذلك بكثير على المستوى المحلي من قرارات اقتصادية خاطئة وسياسات فاشلة أدت إلى هذا الوضع المأساوي.
إن استمرار حكومة مصر في اتباع هذه السياسات الفاشلة لا يمكن أن يؤدي إلى تحسن في الوضع الاقتصادي، بل على العكس، يساهم في المزيد من التدهور. تصريحات التبرير والتخدير لن تساهم في حل الأزمة، بل تزيد من معاناة الشعب المصري، الذي بات يعيش في واقع مرير حيث تتسارع الزيادات في الأسعار ويزداد تدهور القدرة الشرائية، مما يضاعف من معاناته اليومية. إن الفشل الحكومي لا يمكن تغطيته بالتصريحات الإعلامية التي تسعى إلى تبرير الفساد وسوء الإدارة، بل يحتاج إلى تحرك حقيقي لمحاسبة الفاسدين، وتقديم حلول اقتصادية فعالة تنقذ الاقتصاد الوطني من هذا الانهيار المستمر.