على الرغم من حذف بضع مئات منتمين لجماعة الإخوان المسلمين المصرية من قوائم الإرهاب الحكومية المصرية، سارت ردود فعل مجموعات من الإخوان على نحو متقارب، من دون فروق جوهرية فيما بينها، وقد ظهرت بعض تدوينات، تكشف عن قلق الجماعة من تصرّفات الدولة، ومن ثم، يساعد تناول اتجاهات ردود الفعل في الاقتراب من سمات الاستجابة وخلفيات الثقافات السياسية تجاه الدولة.
ترجع هذه القضية إلى عام 2014، عندما جرى إدراج 1524 فرداً، ليجرى تداولها في المحاكم على مدى السنوات اللاحقة، وينتهي بها المطاف إلى حذف 716 من القائمة لتخليهم عن السلوك المعادي للدولة، فيما يتبقى 808 تحت تصنيف كيانات إرهابية، بناء على اتهامات بإعادة الحراك المُسلح وضرب مصالح مصر القومية والاقتصادية.
وبشكل عام، جاء القرار على خلاف التوقعات المستقرّة باستبعاد “الإخوان المسلمين” من تخفيف العقوبات، شملت قائمة الحذف مستويات قيادية في كل مجموعات “الإخوان”، تشغل مواقع تنظيمية أو مسؤولين سابقين، ما يُعدّ مؤشّراً إلى إمكانية مراجعة تصنيف الجماعة منظمة إرهابية.
لم يكن قرار المحكمة معزولاً عن السياق السياسي، فقد ترافق مع خلفيةِ سياسةٍ أشار فيها رئيس الدولة (عبد الفتاح السيسي) إلى فتح صفحة جديدة ومراجعة المواقف القانونية ضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، لتكون هناك أرضية للاندماج في المجتمع والعيش الآمن. لقي هذا التوجه تأييد شيخ الأزهر وحزب مستقبل وطن، وخصوصاً في السعي إلى الدمج الاجتماعي ولم شمل الأسر.
وفي مسارٍ متزامن مع الأحداث، نظرت فئات مختلفة إلى قرار المحكمة باعتباره تمكيناً للإرهاب عبر التسامح مع جماعة الإخوان المسلمين. ورغم أن هذه الآراء تعكس جانباً من الاستقطاب، فإنها توضح وجود معارضة لقرارات الانفتاح على الجماعة. تُرجع مصادر هذه المواقف إلى الانقسام الحاد في الانتخابات الرئاسية في 2012، واستمرار هذه الحالة 12 سنة، استقرّت فيها قناعات سلبية عن الجماعة لدى الظهير الاجتماعي للسلطة.
في ظل هذه السياقات، رغم تشتت استجابة مجموعات الإخوان المسلمين، تلاقت مساحتها الواسعة على التشكيك في حدوث تغيير سياسي، فلم يُقدّم أي من أطراف “الإخوان” تفسيراً متماسكاً للسياق السياسي المصاحب لقرار المحكمة، وارتكزت المواقف على أولوية الحقوق المطلقة من دون الأخذ في الاعتبار ميراثاً طويلاً من تراكم مشكلات الجماعة مع الدولة، بحيث صارت هيكلية ومزمنة.
تكشف ملابسات نشر بيان “مؤسّسة عدالة لحقوق الإنسان” (فريق أونلاين) في مساء 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري عن تبني موقفٍ استباقي، استنكر فيه التهليل والفرح برفع 716 مجهولي الهوية، واعتبره حدثاً هزيلاً لا يستحقّ النظر، مقارنة بالجرائم ضد الإنسانية منذ 2013.، وفي هذا، يخلص البيان إلى أنه محاولة “يائسة” لتجنّب مراجعة الملف المصري أمام مجلس حقوق الإنسان في يناير/ كانون الثاني المقبل.
وبينما كانت مجموعة “أون لاين” صارمة في موقفها، لم تُفصح مجموعة “إخوان سايت” عن انطباعاتها، فيما مال تابعوها إلى التشكيك والنقض، حيث صَنّف بعضهم قرار الحذف من قائمة الإرهاب نوعاً من مساومةٍ لا تنطوي على حل جذري، لم تقتصر الملاحظات على التشكك في جدوى قرار الحذف من قائمة الإرهاب، ولكنها ذهبت إلى ضرورة وجود سياسة عامة للدولة، وليس مجرّد حالة لا تعكس تغيراً حقيقياً، يشمل المحبوسين لأسبابٍ ترجع إلى تحالف الإمارات والسعودية ضد الربيع العربي.
في الحقيقة، لا توجد اختلافات يُعتد بها بين فِرَق جماعة الإخوان، فقد تنافست على وضع الشروط من دون التماس السياقات والفرص المحتملة وراء مثل هذه القرارات، ما يعكس استقرار الخصومة على القابلية، فقد اشترطت تحقيق عدة طلبات إثباتاً “لجدّية” الثقة وحسن النية، تصل في نهايتها إلى الاعتراف القانوني بالجماعة والقبول السياسي بها. ولذلك، سارت طريقة التفكير هذه نحو الخيار ما بين بديلين متباينين: الحل الكامل والتسوية الكُلية أو إبقاء الأزمة. واستندت إلى قراءة قرار المحكمة انعكاساً لعدم قدرة الدولة على مواجهة الضغوط الخارجية على الدولة، فقد ربطت التأويلات الأولية بين قرار المحكمة والمراجعة الدورية لملفّ حقوق الإنسان، كما ظهرت محاولات لربط الحدث بشروط صندوق النقد الدولي، وبدا هذا الاتجاه سائداً في تفكير الكثيرين، ليتوافق مع القناعات بأن التغيير السياسي يتوقف على عوامل خارجية، تؤدي، بمرور القوت، لتململ داخلي في السلطة.
سَرت هذه الآراء على نطاق واسعٍ في التدوينات المختلفة، لتقديم تفسير مُريح بأن عبء الحل عند الدولة. تلقى هذه القناعات نوعاً التوافق الثقافي داخل الجماعة، فيما كان التعبير الإيجابي خافتاً لقلة العدد، لكنه كان أكثر إدراكاً لمقتضيات السياسة والاحتياج لمسار هادئ في العلاقة مع الدولة، يتحلى بالمسؤولية وبعيد عن الانفلات، وعلى الرغم من وجودها، لا تبدو هذه العينة مؤثرة في خيارات أيٍ من فِرَق الإخوان، فهي تفتقر إلى القدرة على التوجيه أو الرغبة في إنضاج مواقفها.
لا يعني تجنّب نشر أي من المجموعات بيانات مباشرة غموض موقف الجماعة، حيث تظهر التوجهات الحقيقية في تدوينات الجهات التابعة والأفراد المنتمين، وذلك باعتبارها إفرازاً للتلقين الثقافي والتوجيه السياسي للشبكات الداخلية في الجماعة والمنصات الإعلامية القريبة منها.
على أية حال، انغمست مواقف الإخوان المسلمين، غير الرسمية، في توسيع المطالب، تطلّعاً إلى معالجة كُلية للمُشكل السياسي للجماعة، من دون التوقّف عند فحص دلالة الإجراء الذي اتخذته الدولة والظروف التي تساعد على تكراره، وهو نمط تقليدي لدى الجماعات الأيديولوجية، حيث ترى مجرد القبول تنازلاً، سوف يقود إلى تنازلات متتابعة.
وهذا ما يفسّر تشكك “الإخوان” والتمسّك الدائم بالشروط المسبقة إزاء مبادرات اتصالات، أشار إليها إبراهيم منير ويوسف ندا في 2014 وما بعدها، انتهى فيها إلى ترجيح ثبات مطالبهم بما فيها إسقاط النظام. ولذلك، نظرت بسلبية إلى كل محاولات التعبير داخل التنظيم عن المصالحة. ولذلك، طعنت في رسائل طلب السجناء في عامي 2019 و2021 بالسعي إلى المصالحة، ونظرت إليها باعتبارها ترتيبات تحت ضغوط من الدولة.
منذ 2014، ارتبطت استجابة الجماعة بمشكلة الثقة الداخلية؛ فبجانب عوامل ثقافية ونقص الوعي الأيديولوجي، يُعد الانقسام الوجه الآخر لأزمة القيادة وتدهور الكفاءة الفردية، فخلال السنوات، شهدت الجماعة قوة تشتيتٍ لامركزية، انضوت مجموعاتها تحت فضاءات وكيانات تحتملها المرجعية الأيديولوجية. انعكست هذه السمات في شيوع التردّد تجاه الأحداث السياسية، والميل إلى تبني مواقف تَطرفية ومُسبقة، تحول دون استكشاف احتمالية التغير أو المراجعة.
تعكس هذه الوقائع ميراث الركود داخل الجماعة، فعلى الرغم من مشوار الأزمات الطويل، لم تجر حركة الإخوان مراجعة لوضعيتها في الدولة، وظلت تميل، تلقائياً، إلى سلامة موقفها من دون طرح مبرّرات كافية. ينطبق هذا المسار على أزماتها المتتالية منذ 1954. خلال هذه المحطات، لم يظهر ما يشير للاستجابة للتداعيات السياسية. تُسعفنا المرحلة الحالية في تثبيت هذه الملاحظات، فمنذ 2011، لم تُقدم الجماعة نصّاً أو موقفاً تفسيرياً لنتائج خوضها غِمار السياسة أو معالجة الأعباء الواقعة عليها. ولذلك، تبدو حساسية “الإخوان” لفرصة التغير السياسي رهينة للتفكّك الداخلي.