الشيخ محمد الحسيني أحد أعلام الإسلام وأئمته البارزين في العصر الحديث
الشيخ الدكتور محمد مصطفى شحاتة الحسيني كان واحدًا من الأعلام البارزة في عالم الفقه والتدريس الإسلامي في مصر والعالم الإسلامي أجمع.
سيرة حياته مليئة بالإنجازات العلمية والمهنية التي جعلت منه مصدر إشادة لجميع من عرفه وتابع أعماله. تميز بشخصيته الفريدة التي جمعت بين العلم الرفيع والتواضع الجم،
وكان بحق أحد أئمة الأزهر الشريف الذين أسهموا في نشر العلم الشرعي وتعميق فهم الناس للدين الإسلامي. لم تكن حياته مجرد رحلة دراسية أو تعليمية فحسب، بل كانت قصة عطاء لا ينضب ودماثة خلق لا يتكرر في زمانه.
النشأة والتكوين العلمي المبكر للشيخ الحسيني
الشيخ محمد مصطفى شحاتة الحسيني وُلد في قرية تانوف التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا، في صعيد مصر، في بيئة علمية ودينية نبيلة. نشأ في أسرة متدينة تحرص على تعليم أبنائها العلم الشرعي.
منذ سن مبكرة، كانت بداية الشيخ في حفظ القرآن الكريم، حيث أتم حفظ كتاب الله في مراحل الطفولة الأولى على يد معلمي كتاب قريته. وبعد إتمام حفظ القرآن الكريم، بدأ مشواره في التحصيل العلمي، ليبدأ تعليمه الأولي في المعهد الابتدائي بمدينة ديروط التابعة لمحافظة أسيوط.
الشيخ الحسيني لم يكن من النوع الذي يرضى بالقليل في مسيرته التعليمية. فقد أظهر تفوقًا منذ أيامه الأولى في المعهد الابتدائي الأزهرى. بعد ذلك، التحق بالمعهد الثانوي الأزهرى، حيث تميز بقدرته على التحصيل العلمي، وتخرج منه وهو في طليعة الناجحين.
هذا التفوق دفعه للانتقال إلى القاهرة، حيث التحق بالأزهر الشريف ليواصل مسيرته العلمية في أروقته وبين شيوخه الأجلاء، فدرس في القسم العالي وتخصص في دراسة العلوم الشرعية، من تفسير القرآن الكريم، والحديث الشريف، والفقه وأصوله، والتوحيد.
التدرج العلمي والمهني في الأزهر الشريف
بعد أن أتم دراسته في الأزهر، لم يكتف الشيخ محمد الحسيني بما تعلمه، بل واصل مسيرته العلمية بشكل مكثف، حتى نال شهادة العالمية من الأزهر بدرجة أستاذ، وكان له الدور الكبير في تدريس علوم الشريعة.
ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الفقه الإسلامي من كلية الشريعة في عام 1962م، وتخصص في مجال النكاح وأحكامه. ومن هنا بدأ مسار جديد في حياته المهنية، مسارًا لا يتوقف عند حدود التدريس بل يمتد ليشمل التدبير الأكاديمي والمشاركة الفعالة في قضايا المجتمع الإسلامي.
أصبح الشيخ الحسيني أحد الأسماء اللامعة في أوساط الأزهر، حيث تعين في العديد من المناصب التدريسية والقيادية في المؤسسات العلمية الإسلامية.
كان مدرسا في معهد الزقازيق الديني، ثم انتقل ليصبح مدرسا بكلية الشريعة في جامعة الأزهر، ومن ثم أصبح أستاذًا مساعدًا في الكلية نفسها، ثم ارتقى ليصبح أستاذًا كاملًا، ليكون في مقدمة أساتذة العلم الشرعي في مصر.
منحه الأزهر الشريف فرصة عظيمة عندما أصبح عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين في عام 1969م، حيث شهدت الكلية تطورًا كبيرًا في عهده بفضل رؤيته الإصلاحية واهتمامه الكبير بالتحصيل العلمي والنهوض بالمستوى الأكاديمي لطلاب الكلية. لقد كانت تلك الفترة شاهدة على تطوير البرامج التعليمية وتحسين نوعية التدريس في الأزهر الشريف.
مساهماته في تطوير الحركة العلمية والإسلامية
لقد قدم الشيخ محمد الحسيني إسهامات كبيرة في مجالات عديدة. فلم يكن اهتمامه بالجانب التدريسي فقط، بل امتد إلى البحث العلمي والفقه الإسلامي، مما جعله أحد أبرز الأعضاء في عدد من اللجان العلمية الهامة في مصر والعالم الإسلامي.
فقد تم اختياره لعضوية أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ولجنة الفتوى بالأزهر، كما كان عضواً في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وهو ما يؤكد مكانته العلمية العالية ودوره البارز في الحياة الفكرية والعلمية.
لقد أسهم الشيخ الحسيني بعمق في قضايا فقهية هامة، مثل أحكام العقود والجهاد، والعلاقات الدولية، إضافة إلى القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية، مثل حقوق الأولاد والنفقة، والعديد من المسائل الفقهية الحياتية الأخرى.
كما كانت له مشاركات متميزة في مجال دراسات الشريعة، من خلال أبحاثه المنشورة في المجلات العلمية والصحف الدينية. وكل هذه الجهود جعلت من الشيخ الحسيني رمزًا من رموز النهضة العلمية والفكرية في العصر الحديث.
دور الشيخ في خدمة الشباب والدراسات العليا
ولم يكن الشيخ محمد الحسيني مجرد محاضر أو باحث في مجال الفقه الإسلامي، بل كان أيضًا معلمًا مخلصًا ومرشدًا روحانيًا للكثير من الطلاب. فقد تولى مهمة الإشراف على الدراسات العليا في جامعة الأزهر، حيث نهل من علمه الكثير من طلاب العلم المتخصصين في الشريعة الإسلامية.
بلغ عدد الطلاب الذين تتلمذوا على يد الشيخ الحسيني أكثر من مائتي طالب في مختلف التخصصات الشرعية، وقد ترك لهم العديد من الدروس العلمية التي شكلت لهم مسارهم الأكاديمي والوظيفي.
لقد كان الشيخ الحسيني يولي أهمية خاصة للجانب العملي في التعليم، حيث كان دائمًا يسعى إلى تطوير المناهج الدراسية في مجال الشريعة الإسلامية، ويحث طلابه على الاهتمام بالبحث والتحليل وتقديم الحلول للمشاكل الفقهية المعاصرة. وهذا الاهتمام بتطوير الفكر العلمي والفقهي كان له دور كبير في إثراء مكتبة الأزهر العلمية والدينية.
الإشادة الدولية والتقدير الرسمي
عطاء الشيخ الحسيني لم يقتصر على التدريس والإشراف الأكاديمي فقط، بل امتد إلى المجتمع المدني والدولي، حيث تم تكريمه من قبل الدولة المصرية في عدة مناسبات.
فقد حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال الذي أقيم بمناسبة العيد الألفي للأزهر الشريف في عام 1973م، وهو تكريم يعكس مدى تقدير الدولة له ولإسهاماته الكبيرة في مجال العلم والتعليم.
إلى جانب ذلك، فإن الشيخ الحسيني كان له حضور دائم في العديد من الندوات والمؤتمرات الإسلامية، التي كانت تُعقد في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
كما كان له تأثير قوي في صياغة قوانين وتشريعات خاصة بالشريعة الإسلامية، حيث كان عضوًا في لجنة تقنين الشريعة بمجلس الشعب المصري، وهو ما يبرز دور الشيخ الحسيني كعالم فقيه له بصمة واضحة في تطوير الفكر الإسلامي في العصر الحديث.
آثاره العلمية والعملية
خلف الشيخ الحسيني العديد من الآثار العلمية التي كانت وما زالت تزين المكتبات الإسلامية. من بين هذه الآثار مؤلفاته التي تناولت العديد من القضايا الفقهية والشرعية الهامة، والتي أصبحت مرجعًا أساسيًا للعديد من طلاب العلم والباحثين في الشريعة الإسلامية.
إن مؤلفاته تتنوع بين كتب تناولت قضايا الزواج والطلاق، والولاية والوصية، وأحكام النكاح، بالإضافة إلى دراسات عميقة في فقه المعاملات والعقود.
وكان للشيخ الحسيني عدد من التلاميذ الذين أصبحوا هم الآخرون من كبار العلماء في مجال الشريعة الإسلامية. فقد تخرج على يديه العديد من الشخصيات البارزة في الأزهر، الذين واصلوا مسيرة العلم والتعليم والإفتاء في مختلف أنحاء العالم.
كما أن أبناءه، الذين أتموا دراستهم في مختلف التخصصات، قد حصلوا على مناصب مرموقة في الدولة، مما يعكس إسهام الشيخ الحسيني في بناء جيل جديد من العلماء والمفكرين.
أبناء الشيخ الحسيني: نماذج من التميز في مختلف المجالات
أنجب الشيخ محمد الحسيني رحمه الله تعالى أبناءً بررة يشغلون مناصب مرموقة في مختلف المجالات. فابنه المستشار صفوت الحسيني كان يشغل منصب رئيس محكمة استئناف القاهرة، بينما شغل ابنه لواء دكتور محمد محمد الحسيني منصب رئيس القومسيون الطبي بالشرطة.
أما لواء شرطة سعد محمد الحسيني فقد تقلد منصبًا رفيعًا في مصلحة الأحوال المدنية، بينما حقق المهندس منتصر الحسيني نجاحًا مميزًا كمهندس استشاري كما برع الطبيب ناصف محمد الحسيني في مجال طب الأسنان كأستشاري طب الأسنان جامعة الأزهر، ما يعكس مكانة العائلة الكبيرة ومساهماتهم في المجتمع.
رحيل الشيخ محمد الحسيني
رحل الشيخ محمد الحسيني عن عالمنا في يوم الجمعة الحادي عشر من شهر شوال سنة 1411 هـ، الموافق السادس والعشرين من شهر أبريل سنة 1991م، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والديني.
ورغم رحيله عن الدنيا، إلا أن آثاره العلمية ومساهماته الفكرية ستظل حية في قلوب وعقول كل من درس على يديه أو تأثر بأعماله. إن الشيخ محمد الحسيني كان بحق مثالًا للعالم الورع المتواضع الذي كرّس حياته لخدمة العلم والإسلام، وساهم في بناء صرح العلم الشرعي في الأزهر الشريف وفي العالم الإسلامي كله.