تقاريرمصر

ارتفاع غير مبرر لأسعار الحج وتجاهل حكومي مستمر لمطالب المواطنين وحقوقهم الأساسية

في خطوة تعكس تقاعساً خطيراً في أداء الحكومة المصرية لدورها في حماية حقوق المواطنين، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي عن غلق باب التقديم لعضوية الجمعيات الأهلية الراغبة في أداء فريضة الحج، دون أن تقدم أي خطة واضحة للتسهيل على المواطنين، أو حتى مواجهة الأزمات التي يشهدها قطاع الحج في مصر.

ففي الوقت الذي كان يتوقع فيه المواطنون تحسين الخدمات وتقليل الفساد، تأتي هذه الإجراءات لتؤكد عدم الجدية في التعامل مع قضاياهم، وسط زيادة صادمة في أسعار الحج الحكومي.

التقارير الأخيرة تشير إلى أن الحكومة قررت عدم تمديد فترة التقديم، وهو قرار يضاف إلى سلسلة من الإخفاقات المتتالية التي طالما تسببت في حرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية.

وفيما يتعلق بأسعار الحج هذا العام، فإنها شهدت زيادات غير مبررة تصل إلى 30% مقارنة بالعام الماضي. وزيادة الأسعار هذه لم تقتصر فقط على حج الجمعيات، بل شملت أيضًا حج القرعة الذي تديره وزارة الداخلية، مما يعكس بشكل واضح فشل الحكومة في كبح جماح أسعار الخدمات الأساسية في موسم الحج.

وإذا كانت الوزارة قد حددت أسعارًا جديدة لرحلات الحج، فإن هذه الأسعار لا تكشف فقط عن حجم الفساد المترسخ داخل النظام، بل أيضًا عن استفادة فئات معينة من هذه الزيادة غير المبررة في الأسعار.

في السياق ذاته، ارتفع سعر رحلة الحج للمستوى الأول من 297 ألف جنيه إلى حوالي 390 ألف جنيه، فيما ارتفع سعر المستوى الثاني من 216 ألف جنيه إلى حوالي 280 ألف جنيه. أما بالنسبة للمستوى الثالث، فقد وصل السعر إلى 250 ألف جنيه بعد أن كان 194 ألف جنيه.

هذه الزيادة لم تقتصر فقط على الجمعيات الأهلية، بل طالت أيضًا حج القرعة الذي تقوم وزارة الداخلية بتنظيمه، حيث ارتفعت الأسعار من 185 ألف جنيه إلى 240 ألف جنيه، في حين بلغ سعر الحج السياحي البري نحو 260 ألف جنيه، ووصل سعر الحج الاقتصادي إلى 295 ألف جنيه، بينما وصل سعر الحج الفاخر إلى نحو 580 ألف جنيه.

هذه الأرقام تكشف بوضوح عن فشل الحكومة في مواجهة ارتفاع أسعار العملة، في وقت كانت فيه الكثير من الدول قد وضعت خططًا جادة للحد من تأثير الأزمة الاقتصادية على قطاع السياحة والحج.

ورغم تصريحات الحكومة المستمرة حول تسهيل الإجراءات وتخفيف العبء على المواطنين، فإن هذه الأسعار الفلكية تؤكد عكس ذلك.

بينما يفترض أن تكون الحكومة هي الجهة التي تقدم الدعم والتسهيلات، نجدها اليوم تساهم في تحميل المواطن مزيدًا من الأعباء.

وحتى على صعيد الإجراءات القانونية، نجد أن الحكومة قد أصدرت مؤخرًا قانونًا ينظم أداء مناسك الحج، وهو قانون يتحدث عن تشكيل لجنة وزارية من أجل “حماية المواطنين” من تلاعب السماسرة.

إلا أن الواقع يشير إلى أن هذا القانون لم يكن إلا خطوة شكلية تهدف إلى إخفاء عيوب الحكومة في إدارة ملف الحج، في وقت لا تزال فيه حالات التلاعب قائمة، ولا تزال شركات السفر المخالفة تزاول عملها.

وفي خطوة أخرى تعكس ضعف الحكومة في مواجهة الفساد، وقعت الحكومة غرامات ضخمة على الشركات المخالفة، حيث تصل الغرامات إلى ثلاثة ملايين جنيه لمن يقوم بتسفير الحجاج بشكل غير قانوني.

لكن هذه العقوبات لم تكن كافية للحد من المشكلة، إذ أن هذا القرار لم يتم تطبيقه بالشكل المطلوب، بل وجرى إلغاء تراخيص 16 شركة سياحية فقط، في حين استمرت شركات أخرى في التلاعب بالأنظمة والقيام بعمليات تهريب الحجاج بطريقة غير نظامية.

وفجرت وزارة التضامن الاجتماعي قنبلة أخرى حين أشارت إلى أن القانون الجديد يتضمن فرض غرامات ضخمة على الشركات المخالفة في عملية الربط الإلكتروني مع بوابة الحج المصرية.

وهذه الغرامات التي تصل إلى خمسة ملايين جنيه تكشف عن حجم التلاعب الذي يتم على مستوى المنظومة بأكملها، بينما يُفترض أن تعمل الحكومة على وضع ضوابط حقيقية تضمن حماية المواطن من هذه الممارسات الفاسدة.

لكن الحكومة لم تتوقف عند هذا الحد في إظهار عدم اهتمامها بحماية حقوق الحجاج، ففي الموسم الماضي، تعرض أكثر من 700 حاج مصري للوفاة بسبب الظروف المناخية القاسية في المشاعر المقدسة، حيث تعرض العديد من الحجاج للإجهاد نتيجة درجات الحرارة المرتفعة.

لكن الحكومة بدلاً من أن تتحرك بشكل جاد لمعالجة هذا الوضع الكارثي، ظلت تتجاهل تحذيرات الخبراء وتستمر في تنفيذ إجراءات فاشلة. ومن المثير للدهشة أن الحكومة لم تلتفت إلى هؤلاء الحجاج الذين قضوا نحبهم نتيجة لإهمال السلطات، بل صُدرت الأمور وكأنها حادث عارض في موسم الحج.

وتبين أن الحكومة لا تسعى لتطوير منظومة الحج أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، بل إنها تسعى إلى المزيد من التراخي في محاسبة الفاسدين، في وقت يعاني فيه المواطن المصري من ارتفاع الأسعار وغياب أية حلول حقيقية للمشاكل التي تواجهه.

كل هذه المؤشرات تعكس صورة قاتمة عن أداء الحكومة في قطاع حيوي مثل الحج، وتؤكد على أن الأمور قد تسير نحو مزيد من التدهور والفساد، في ظل غياب المساءلة الجادة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى