القصف الوحشي شمال غرب سوريا يدمر القرى ويشرد آلاف العائلات وسط صمت دولي مخزٍ
في شمال غرب سوريا تتصاعد حدة الأوضاع بشكل خطير مع استمرار القصف الجوي العنيف الذي تنفذه قوات النظام السوري والجيش الروسي على القرى والبلدات في ريف إدلب وحلب مما دفع آلاف العائلات للنزوح من منازلها في محاولة يائسة للبحث عن مأوى آمن
حيث تجد فرق الدفاع المدني السوري المعروفة بالخوذ البيضاء نفسها في سباق مع الزمن لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض وتقديم المساعدة للنازحين وسط ظروف قاسية وصعوبات هائلة تواجهها هذه الفرق الإنسانية
الهجمات الأخيرة التي نفذتها قوات النظام السوري وحلفاؤها ركزت على مناطق ريف إدلب وحلب وهو ما أدى إلى نزوح جماعي لمئات العائلات حيث تركوا منازلهم خلفهم بعد أن دمرت الغارات الجوية الكثير من الأحياء السكنية وخلفت دمارًا واسعًا في البنية التحتية الأمر الذي دفع فرق الخوذ البيضاء للتحرك سريعًا رغم المخاطر الشديدة للوصول إلى المناطق المتضررة ومباشرة عمليات البحث والإنقاذ في محاولة لإنقاذ أرواح المدنيين الذين ما زالوا تحت الأنقاض أو المحاصرين داخل منازلهم
في ظل استمرار هذا التصعيد العسكري غير المسبوق وتوسيع قوات النظام دائرة القصف باتجاه القرى والبلدات الآمنة سابقًا لم يعد هناك مكان يهرب إليه المدنيون فالأوضاع الإنسانية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم إذ يتصاعد عدد النازحين الذين يفرون من جحيم القصف ويلجأون إلى مناطق تعتبر آمنة نسبيًا على أمل النجاة وتفادي الموت المحقق الذي بات يلاحقهم في كل مكان وبينما يسعى الدفاع المدني لتقديم العون للعائلات النازحة تواجه الفرق صعوبات جمّة بسبب نقص المعدات والإمكانيات المتاحة إضافة إلى استمرار القصف الذي يهدد حياتهم
ورغم هذه التحديات يستمر المتطوعون في فرق الخوذ البيضاء بتنفيذ مهامهم الجبارة حيث يعملون في ظروف خطيرة للغاية تصل أحيانًا إلى حد المجازفة بحياتهم لإنقاذ المدنيين وإيصالهم إلى بر الأمان فالمخاطر التي تحيط بهم لم تمنعهم من الاستمرار في أداء واجبهم الإنساني تجاه الشعب السوري الذي يعاني منذ سنوات طويلة جراء الصراع الدموي الذي مزق البلاد ففي إحدى الغارات التي استهدفت مدينة إدلب مؤخرًا قتل أربعة مدنيين وأصيب ستة آخرون وهو ما يعكس حجم المعاناة اليومية التي يعيشها السكان نتيجة الهجمات الجوية المكثفة
في المقابل شهدت مدينة حلب تصعيدًا عسكريًا من نوع آخر حيث شنت الفصائل المعارضة هجومًا مفاجئًا على قوات النظام هناك وتمكنت من اختراق دفاعاته بعد تفجير سيارتين مفخختين ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من الجنود وأثار هذا الهجوم حالة من التوتر في المنطقة التي كانت قد شهدت بعض الاستقرار النسبي خلال الفترة الماضية إلا أن الاشتباكات العنيفة التي أعقبت الهجوم تشير إلى أن الأوضاع في حلب قد تعود إلى نقطة الصفر من جديد مع تصاعد حدة القتال وارتفاع عدد الضحايا في صفوف المدنيين الذين يدفعون الثمن الأكبر في هذا النزاع المستمر
وفي ظل هذه الأوضاع المتردية تواصل فرق الإغاثة الإنسانية وعلى رأسها الخوذ البيضاء جهودها لتوفير المأوى والمساعدة للعائلات النازحة حيث أقيمت مخيمات صغيرة في قرى عدة أبرزها قرية معرة التي تستضيف حاليًا عددًا كبيرًا من الأسر النازحة من مناطق القتال ويعد هذا المخيم بمثابة بارقة أمل لأولئك الذين فقدوا منازلهم وأصبحوا بلا مأوى يلوذون به إلا أن هذا الحل المؤقت لا يكفي لسد الاحتياجات المتزايدة للنازحين الذين تتزايد أعدادهم يوميًا مع استمرار القصف وتوسع نطاق العمليات العسكرية
ومن الجدير بالذكر أن فرق الخوذ البيضاء تعمل في ظروف غاية في الصعوبة فهي لا تقتصر على تقديم المساعدات الأولية فقط بل تسعى إلى إجلاء المدنيين من مناطق القتال وتقديم الرعاية الطبية اللازمة للمصابين رغم قلة الموارد المتاحة والظروف الأمنية الخطرة التي تعيق عمليات الإنقاذ وتعرض حياة المتطوعين للخطر إلا أن الفرق تواصل جهودها البطولية في سبيل إنقاذ الأرواح وإعادة بعض الأمل إلى هؤلاء الذين فقدوا كل شيء
إن التصعيد العسكري المتواصل في شمال غرب سوريا لا يهدد فقط حياة المدنيين بل ينذر بتفاقم الكارثة الإنسانية في هذه المنطقة التي باتت تعاني من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء إضافة إلى انتشار الأمراض نتيجة تردي الأوضاع الصحية في المخيمات المزدحمة بالسكان الذين هربوا من الموت ليجدوا أنفسهم في مواجهة خطر آخر يتمثل في سوء الأوضاع المعيشية والإهمال الدولي لقضيتهم
وفي هذا السياق تحذر المنظمات الإنسانية من أن الأوضاع في شمال غرب سوريا تتجه نحو كارثة حقيقية إذا استمر القصف والعمليات العسكرية دون تدخل دولي لوقف هذه المأساة وتقديم الدعم اللازم للسكان والنازحين الذين يعيشون في ظروف مأساوية تفوق قدرة التحمل البشري إذ إن الاحتياجات الإنسانية في هذه المناطق تتزايد بشكل غير مسبوق ومع ذلك فإن الدعم الدولي لا يزال دون المستوى المطلوب لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة
إن ما يحدث في شمال غرب سوريا اليوم يعد جريمة بحق الإنسانية ويجب على المجتمع الدولي التحرك فورًا لوقف هذا القصف الوحشي وإنهاء معاناة آلاف المدنيين الأبرياء الذين يعيشون في حالة من الرعب والخوف من الموت في أي لحظة بسبب الهجمات الجوية المتواصلة