فصائل المعارضة السورية تشعل جبهات القتال بعملية “ردع العدوان”
تشهد جبهات القتال في سوريا تطوراً جديداً بعد سنوات من الهدوء النسبي، حيث أعلنت فصائل المعارضة السورية عن بدء هجوم واسع النطاق ضد قوات النظام السوري في ريف حلب الغربي.
هذه العملية التي أطلق عليها اسم “ردع العدوان”، جاءت كرد فعل على التصعيد العسكري الأخير الذي نفذه النظام السوري وحلفاؤه، والذي تسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين في المناطق التي كانت تعتبر سابقاً مناطق خفض تصعيد، وخاصة إدلب والمناطق المحررة في شمال وشمال غرب سوريا.
السيطرة على مناطق استراتيجية
في الساعات الأولى من المعركة، استطاعت الفصائل المقاتلة تحقيق تقدم ملموس على الأرض، حيث أعلنت سيطرتها على عدد من البلدات والمناطق الهامة في ريف حلب الغربي.
من بين هذه المناطق بلدة قبتان الجبل التي تعتبر ذات موقع استراتيجي هام، إضافة إلى بلدة الشيخ عقيل، والقرى المجاورة مثل بالا، القاسمية، وحور.
كما تمت السيطرة على جمعية العمري، والسلوم، وكربسين، بالإضافة إلى منطقة حير دركل. هذه السيطرة السريعة على تلك المناطق تعكس قوة الهجوم وسرعة التنسيق بين فصائل المعارضة.
خلفية الهجوم وأسبابه
بحسب ما صرح به الناطق باسم فصيل “جيش العزة”، العقيد مصطفى بكور، فإن عملية “ردع العدوان” جاءت كرد فعل طبيعي على التحركات العدائية التي قامت بها قوات النظام السوري المدعومة من قِبل حلفائها في المنطقة.
وأوضح أن التصعيد العسكري الذي شهدته الأسابيع القليلة الماضية كان بمثابة إنذار لفصائل المعارضة بضرورة التحرك للدفاع عن المدنيين في المناطق المحررة، خاصة في منطقة “خفض التصعيد الرابعة” التي تشمل إدلب وضواحيها.
وأضاف بكور أن هذا التصعيد لم يقتصر على العمليات العسكرية فقط، بل امتد ليشمل مجازر استهدفت المدنيين العُزل، مما جعل من الضروري التحرك لوقف هذه الانتهاكات.
خسائر النظام
على صعيد الخسائر البشرية، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل تسعة من عناصر قوات النظام السوري خلال اليوم الأول من المعركة. وأوضح المرصد أن هذه الحصيلة تعتبر أولية، مع احتمال ارتفاع عدد القتلى نظراً لاستمرار المواجهات بين الطرفين.
وتعد هذه الخسائر ضربة قوية للنظام السوري، خاصة أن العملية العسكرية التي تقودها فصائل المعارضة وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” حققت تقدمات كبيرة في محاور استراتيجية مهمة، من أبرزها السيطرة على تلتي تعقيل والراقب، إضافة إلى تل الدبابات بالقرب من بلدة قبتان الجبل.
تهديدات على حياة السكان
في هذا السياق، أكد المقدم حسين محمد عبد الغني، القيادي في غرفة العمليات العسكرية لفصائل المعارضة، أن حياة السكان في المناطق المحاصرة من قبل قوات النظام أصبحت مهددة بشكل كبير، حيث تتعرض تلك المناطق لضغوط عسكرية هائلة مع استهدافات متكررة للبنية التحتية والمرافق الحيوية. وأوضح أن الهدف الأساسي من العملية هو حماية السكان المحليين والدفاع عنهم ضد تلك المخاطر.
ضربة استباقية
وفي سلسلة تغريدات نشرها المقدم عبد الغني عبر تطبيق “إكس”، أشار إلى أن الهدف من المعركة ليس فقط التصدي لتحركات النظام، بل توجيه ضربة استباقية تُفشل المخططات التي كانت تعدها قوات النظام السوري وحلفاؤه في المنطقة.
وأكد عبد الغني أن هذه الضربة جاءت في الوقت المناسب لمنع المزيد من التصعيد العسكري الذي قد يهدد استقرار المناطق المحررة. كما أوضح أن الاستراتيجية التي تتبعها فصائل المعارضة تهدف إلى استنزاف قوات النظام ودفعها للتراجع عن محاولات التقدم نحو المناطق المحررة.
تحولات في ميزان القوى
هذا الهجوم يمثل تحولاً كبيراً في مسار الأحداث على الأرض السورية، خاصة بعد فترة من الهدوء النسبي على جبهات القتال. فبعد أن كانت قوات النظام السوري قد حققت تقدماً ملموساً في عدة مناطق خلال السنوات الأخيرة بدعم من حلفائها، جاءت هذه المعركة لتعيد تشكيل ميزان القوى على الأرض.
ورغم أن قوات المعارضة كانت قد تعرضت للعديد من الهزائم في مراحل سابقة، إلا أن هذه العملية العسكرية تُظهر أن المعارضة ما زالت تمتلك القدرة على شن هجمات واسعة وتحقيق تقدم ميداني.
انعكاسات المعركة على المشهد السياسي
لا تقتصر أهمية هذه المعركة على المستوى العسكري فقط، بل تمتد إلى التأثير على المشهد السياسي أيضاً. فمن المتوقع أن تؤدي هذه العملية إلى إعادة تحريك المفاوضات الدولية بشأن الأزمة السورية، خاصة في ظل تزايد الضغوط الدولية على النظام السوري لوقف التصعيد العسكري ضد المناطق المحررة.
كما أن التقدم الذي حققته فصائل المعارضة قد يمنحها قوة تفاوضية أكبر في أي مفاوضات مستقبلية حول تسوية الأزمة.
التحديات المقبلة
رغم النجاحات التي حققتها فصائل المعارضة في الساعات الأولى من معركة “ردع العدوان”، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة. فقوات النظام السوري تمتلك دعماً عسكرياً ولوجستياً كبيراً من حلفائها، وخاصة من روسيا وإيران، مما يجعل المعركة طويلة وصعبة.
إضافة إلى ذلك، فإن الظروف الإنسانية في المناطق المحررة لا تزال معقدة، حيث يعاني المدنيون من نقص الخدمات الأساسية واستمرار المخاطر الأمنية.
تعتبر معركة “ردع العدوان” علامة فارقة في مسار الصراع السوري، حيث أظهرت فصائل المعارضة أنها لا تزال قادرة على المبادرة والتحرك بقوة ضد قوات النظام.
ومع استمرار العمليات العسكرية على الأرض، يبقى المستقبل مفتوحاً على كافة الاحتمالات، سواء كان ذلك من ناحية التقدم العسكري أو من خلال المسار السياسي الذي قد يفرض نفسه في ظل هذه التحولات الجديدة.