ارتفاع الأسعار يغير عادات المصريين الغذائية ويزيد معاناتهم اليومية
في ظل موجة الغلاء التي تجتاح مصر بلا رحمة، أصبحت الحياة اليومية للمصريين أشبه بمعركة للبقاء، حيث لم يعد الطعام مجرد حاجة بل ترفًا لا يستطيع الكثيرون تحمله.
الأسعار المرتفعة تضغط على جميع الأسر، وتدفعها إلى تقليص احتياجاتها الغذائية الأساسية، والبحث عن بدائل أقل تكلفة، في مشهد يعكس التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد وسط تقاعس حكومي واضح في مواجهة هذه الأزمة.
في أحد الأسواق الشعبية، تجسدت المأساة في مشهد سيدة مسنة تتجول بين الأكشاك، محاولة البحث عن شيء تستطيع شراؤه. عينها وقعت على رأس كرنب، فسألت عن سعره، لتُصدم بأنه وصل إلى 40 جنيهاً. أعادت الخضار إلى مكانه وأخذت تتأمل في أسعار الخضراوات الأخرى: البطاطس بـ22 جنيهاً، والكوسة بـ18 جنيهاً، والباذنجان بـ13 جنيهاً.
بحسرة، اشترت كيلو واحد من الباذنجان، عالمةً أنه لن يكفي لإطعام أسرتها المكونة من أربعة أفراد. دخلها الشهري لا يتجاوز 5400 جنيه، مبلغ بالكاد يكفي لشراء الأساسيات، وهو معاش لا يوفر حتى الحد الأدنى من الطعام، ما دفعها للاعتماد على البطاطس والباذنجان كوجبات رئيسية، في حين أصبحت اللحوم حلمًا نادر الحدوث.
الأسعار التي ارتفعت بشكل غير مسبوق لا تعكس فقط الفشل الحكومي في السيطرة على الأوضاع الاقتصادية، بل تظهر عجزها التام عن تلبية احتياجات المواطنين الأساسية.
كيف يمكن لعائلة تعيش على دخل محدود أن تواجه غلاءً مستمرًا؟ اللحوم والدواجن، التي كانت تُستهلك بانتظام، أصبحت رفاهية لا يمكن الوصول إليها إلا في المناسبات النادرة. بينما الخضروات التي كانت في متناول اليد، أصبحت عبئًا ثقيلاً لا يتحمله المواطنون.
وفي مشهد آخر، أثار ارتفاع الأسعار معركة كلامية بين بائع فول وأحد الزبائن. الزبون الذي يعمل لساعات طويلة يوميًا، عبر عن غضبه من تضاعف أسعار الوجبات البسيطة، حيث اضطر لدفع 45 جنيهاً مقابل وجبة فول، وهو مبلغ كان قبل أشهر قليلة يعادل نصف هذا السعر.
التساؤل الذي ظل يردده: “لماذا؟” لم يجد له إجابة، سوى الصمت المطبق من البائع الذي لا يملك سوى تبرير الارتفاعات بأنه نتيجة الغلاء العام في كل شيء.
تتوالى قصص المعاناة في شوارع مصر، حيث أصبح من الصعب على العامل البسيط، أو الموظف العادي، تدبير نفقات يومه. شاب آخر، يعمل في مجال توصيل الطلبات، تحدث بحزن عن كيف تحولت حياته اليومية إلى صراع لتوفير وجبة غداء بسيطة.
كان في السابق يتناول ربع دجاجة مع الأرز والخضار مقابل مبلغ معقول، أما الآن، فتلك الوجبة تكلفه 85 جنيهًا، وهو مبلغ يعجز عن توفيره بشكل يومي، مما اضطره لتقليل عدد الزيارات إلى أسرته لتوفير تكاليف السفر.
بينما الأجيال الشابة، التي تكافح لإكمال دراستها، تجد نفسها عاجزة عن مواجهة هذه الموجة الطاحنة من الغلاء. أحد الطلاب الجامعيين، الذي يعمل ليلاً لدعم أسرته، تحدث عن ارتفاع أسعار الوجبات السريعة التي يعتمد عليها، مشيرًا إلى أن ساندوتشات الفول والبطاطس التي كانت يومًا ما خيارًا رخيصًا أصبحت الآن تُكلفه ضعف ما كان يدفعه قبل شهور.
هذا الشاب، كغيره من ملايين الشباب المصريين، يعيش على أمل أن تتحسن الظروف، لكن الواقع يشير إلى أن الأمور تتجه نحو الأسوأ، مع غياب أي تحرك حقيقي من الحكومة لمعالجة الأزمة.
في حديث مع بائع الفول، اعترف الرجل بأنه ضحية مثل زبائنه. تكاليف المواد الأولية التي يحتاجها في إعداد طعامه ارتفعت بشكل كبير، حيث وصل سعر الغاز المستخدم في الطبخ إلى 200 جنيه، ولا تكفيه سوى ليوم واحد. أسعار الفول نفسه ارتفعت بشكل جنوني، ومعها أسعار الزيوت والبهارات.
البائع، مثله مثل ملايين المصريين، يحاول التكيف مع هذه الظروف الصعبة، لكنه يعلم أن تحميل الزبائن تكلفة هذه الزيادات يعني تراجع عددهم يوماً بعد يوم.
معاناة المصريين مع ارتفاع الأسعار لا تقتصر فقط على الطعام، بل تمتد إلى كل جوانب الحياة. أسرة أخرى تجد نفسها مجبرة على تقليص وجبات اللحوم والدواجن إلى مرة كل عشرة أيام، رغم أن الزوجين يعملان، لكن دخلهما لم يعد يكفي لتغطية نفقات الحياة اليومية.
حتى الكهرباء والمواصلات والخدمات الأساسية ارتفعت تكاليفها بشكل يجعل من الصعب الاستمرار في نمط الحياة المعتاد. العديد من الأسر اضطرت إلى اللجوء إلى الأكلات الشعبية مثل الكشري والبصارة، التي كانت يومًا ما خيارًا اقتصاديًا، لكنها أصبحت الآن هي الأخرى مكلفة.
في الأسواق، يلاحظ الباعة تراجعًا حادًا في الكميات التي يشتريها الزبائن. في الماضي، كان الناس يشترون كميات كبيرة من الخضار والفواكه، لكن اليوم أصبحت الكميات المحدودة هي السائدة. الناس الآن يشترون بالكيلو الواحد أو نصفه، في محاولة لتقليل النفقات، وهو ما يعكس بشكل واضح حالة العجز والضيق التي يعيشها المواطن العادي.
الواقع المأساوي الذي تعيشه مصر اليوم ليس سوى نتيجة للسياسات الاقتصادية الفاشلة التي تتجاهل احتياجات المواطنين الأساسية. الحكومة تبدو غائبة عن المشهد، غير قادرة على تقديم حلول حقيقية لهذه الأزمة المتفاقمة. المواطن المصري، الذي يواجه يوميًا عبء توفير الطعام لأسرته، يشعر بأنه مهمل، وأن حكومته لا تبذل الجهد المطلوب لمساعدته في تجاوز هذه المحنة.
الارتفاع المستمر في الأسعار يعكس فشل النظام الاقتصادي في مصر، ويزيد من معاناة الملايين. المصريون باتوا يصرخون بصمت، في ظل غياب أي أمل حقيقي في تحسين الأوضاع الاقتصادية. الغلاء أصبح شبحًا يطاردهم في كل لحظة، والحكومة عاجزة أو غير راغبة في التدخل لإنقاذهم من هذا المصير المظلم.