182 يوماً من الإخفاء القسري: عائلة مصرية تظهر بعد تعذيب مروع
بعد 182 يوماً من الإخفاء القسري على يد قوات الشرطة المصرية، ظهرت خمس أفراد من عائلة واحدة أمام نيابة أمن الدولة العليا في خطوة اعتُبرت بمثابة انفراج في قضية اختفاءهم المفاجئ.
وقررت النيابة حبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات، حيث وجّهت لهم اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، وكذلك إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ونشر معلومات كاذبة.
هذه القضية التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية المصرية، تبرز مجدداً واقع الإخفاء القسري الذي يمارسه الأمن الوطني في مصر ضد العديد من المواطنين.
العائلة التي خضعت للتعذيب الشديد، تُؤكد تعرضها للاحتجاز القسري في ظروف قاسية، حيث تعرض أفرادها للضرب والتعذيب المتواصل حتى الإغماء خلال فترات اعتقالهم، ما يثير تساؤلات حول مصير المئات من المختفين قسرياً في مصر.
تفاصيل الاختفاء القسري والتعذيب الممنهج
كانت حملة “أوقفوا الإخفاء القسري” قد رصدت هذه القضية منذ اللحظة الأولى، حيث وثقت اختفاء خمسة أفراد من عائلة واحدة قسراً، عقب اعتقالهم من أماكن مختلفة في القاهرة والإسكندرية. الحملة أظهرت أن هذه العائلة، المكونة من الأب ناصر عبد المنعم عبد النعيم، البالغ من العمر 62 عاماً، وزوجته آمال عبد السلام إبراهيم حسن (59 عاماً)، وابنته ريهام ناصر عبد المنعم (41 عاماً)، وابنها وائل عبد الرزاق محمد نصار (41 عاماً)، بالإضافة إلى غادة عبد السلام إبراهيم (52 عاماً)، تم احتجازهم في أماكن مجهولة لفترات طويلة، دون أن يتم عرضهم على النيابة أو تقديم أي إيضاحات حول سبب احتجازهم.
الاعتقال والتوثيق الحقوقي
في 27 مايو الماضي، أقدمت قوات الأمن على القبض على ناصر عبد المنعم عبد النعيم من مكان عمله في القاهرة. في الوقت نفسه، تم اعتقال باقي أفراد العائلة في مدينة الإسكندرية. هذه الاعتقالات لم تكن الأولى من نوعها في تلك الفترة، حيث سبق أن وثقت منظمات حقوقية العديد من حالات الإخفاء القسري في مختلف أنحاء البلاد. ورغم محاولات الدفاع عن أفراد العائلة، من خلال تقديم محاميهم لبرقيات رسمية إلى الجهات المعنية، إلا أن السلطات الأمنية استمرت في إخفائهم قسراً لأكثر من خمسة أشهر.
تضاف هذه الواقعة إلى العديد من الحالات المماثلة التي تم تسجيلها من قبل الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، التي طالبت بالكشف عن مصير هؤلاء المواطنين ومحاسبة المسؤولين عن هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان.
ممارسات الإخفاء القسري في مصر
من جانبها، أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أنها وثقت مئات من حالات الإخفاء القسري لمواطنين مصريين خلال السنوات الأخيرة، مؤكدة أن السلطات الأمنية في مصر تعتمد بشكل منهجي على هذه الممارسات في مختلف محافظات الجمهورية. وفقاً للشبكة، فإن هذه الانتهاكات تشمل كافة الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية، ولا تقتصر على فئة معينة، ما يجعلها قضية واسعة الأثر تمس الأمن الشخصي لكل مواطن مصري.
لقد أثار هذا النوع من الممارسات القمعية حالة من الغضب في الأوساط الحقوقية الدولية، التي اعتبرت أن مثل هذه الانتهاكات تخالف القوانين الدولية التي تضمن حقوق الأفراد في حرية الحركة وعدم التعرض للاعتقال التعسفي أو التعذيب. وتوجهت منظمات حقوق الإنسان إلى المجتمع الدولي لممارسة الضغوط على السلطات المصرية من أجل التوقف عن هذه الانتهاكات وفتح تحقيقات شفافة في قضايا الإخفاء القسري.
الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي
وفيما يخص التهم الموجهة إلى أفراد العائلة، فقد أكدت النيابة أن الاتهامات جاءت بناء على قيامهم بنشر معلومات مغلوطة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما أضاف مزيداً من التعقيد إلى القضية. حيث أن تلك التهم التي يتم توجيهها بشكل متكرر ضد النشطاء والمعارضين، تُعتبر جزءاً من الحملة الأمنية المستمرة ضد من يعبرون عن آرائهم على الإنترنت أو يعارضون سياسات النظام الحالي.
وتبرز هنا مسألة الاستخدام المفرط للقوانين المتعلقة بالإرهاب من أجل تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين. إذ أن العديد من المتابعين لهذه القضايا يشيرون إلى أن استخدام هذه القوانين كأداة لقمع الحريات يشكل تهديداً خطيراً للحقوق الأساسية للمواطنين في مصر.
الرد الحقوقي والتحرك الدولي
منذ بداية هذا الحادث، دعمت العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية حملة “أوقفوا الإخفاء القسري”، وقد رصدت هذه المنظمات ما تعرض له أفراد العائلة من معاملة وحشية وتعرضهم للتعذيب الجسدي والنفسي الممنهج. وحملت هذه المنظمات السلطات الأمنية المسؤولية الكاملة عن حياة المختفين قسرياً، وطالبت بتحقيقات فورية وشفافة حول ملابسات اختفائهم، كما دعت إلى الإفراج الفوري عنهم.
في السياق ذاته، انتقدت بعض الحكومات الغربية والمنظمات الدولية هذه الممارسات، مطالبة بتغيير جذري في التعامل مع حقوق الإنسان في مصر. فقد أكدت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية ضرورة الضغط على الحكومة المصرية لتقليص استخدام أساليب التعذيب والإخفاء القسري التي تسيء إلى سمعة مصر على الساحة الدولية.