تقاريرمحافظات

ازدحام شديد أمام مكاتب البريد يكشف فشل الحكومة في تنظيم توزيع كراسات الإسكان

منذ الساعات الأولى من صباح يوم أمس، تجمهر المواطنون أمام مكاتب البريد في مختلف المدن والمحافظات، في مشهد يعكس حجم الفوضى التي تعاني منها هذه العملية التي يُفترض أن تكون ميسرة للمواطنين.

حيث شهدت مكاتب البريد ازدحامًا غير مسبوق من المواطنين الذين تسابقوا للحصول على كراسات شقق الإسكان الاجتماعي لمحدودي ومتوسطي الدخل، الأمر الذي خلق حالة من التكدس في الطرقات والمكاتب، وأدى إلى اندلاع مشاجرات بين المواطنين، مما يثير تساؤلات عن مدى قدرة الحكومة على تنظيم هذه العملية رغم الأعداد الهائلة من المتقدمين.

في محافظة الجيزة، وتحديدًا في منطقة الدقي، سادت الفوضى أمام مكاتب البريد، حيث اصطف المواطنون منذ الفجر في انتظار الحصول على كراسات الإسكان الاجتماعي.

ورغم ذلك، كان نصيب كل مكتب بريد بيع كراسات لمئة أو مئتي مواطن فقط، وذلك بسبب الازدحام الشديد وضيق الوقت المتاح، ما أدى إلى تدافع جماعي وارتفاع درجة التوتر بين المواطنين الذين كانوا ينتظرون دورهم بصبر لا يطاق.

لكن التنظيم كان غائبًا، ولم تقدم السلطات أي حلول تخفف من هذه الأزمة التي استمرت لعدة ساعات، مما زاد من حالة الاستياء والغضب في صفوف المواطنين.

في المقابل، شهدت محافظة الأقصر حالة مشابهة، حيث انطلقت طوابير كبيرة أمام مكاتب البريد في اليوم الأول لطرح كراسات الشروط الخاصة بالإسكان الاجتماعي. توافد المواطنون على هذه المكاتب بكثافة، ما أدى إلى حدوث إغلاق جزئي لبعض الشوارع بسبب الزحام.

وكرر المواطنون شكواهم من غياب التنظيم، الأمر الذي جعل الإجراءات أكثر صعوبة وأدى إلى تدافعهم للحصول على فرصهم في التسجيل.

أما في محافظة قنا، فقد كانت الفوضى هي السمة البارزة أمام مكاتب البريد. كما هو الحال في معظم الأماكن، واجه المواطنون صعوبة في الحصول على الكراسات، حيث قوبلوا بانتظار طويل وسط حالة من التكدس.

لم تكن هناك أية إجراءات فعالة لتنظيم الصفوف، ما أدى إلى شعور الجميع بالإحباط والظلم. في هذه الأثناء، كانت الحكومة تروج لهذه المبادرة كخطوة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن ما شهدته المكاتب لا يدل على أي نوع من العدالة أو التنظيم.

الأمر كان أسوأ في محافظة أسوان، حيث فاق التكدس والانتظار أي تصور معقول. المواطنون استيقظوا في الساعات الأولى من الفجر وتجمهروا أمام مكاتب البريد، في محاولة لحجز دور للحصول على كراسات شروط الإسكان.

ورغم طول الانتظار، لم يتمكن الكثير منهم من الحصول على الكراسات بسبب قلة العدد المتوفر مقارنة بالعدد الكبير من المواطنين الراغبين في التقديم. ومع استمرار المشهد الفوضوي، سادت حالة من الغضب بين المتقدمين، خصوصًا مع وقوع عدة مشاجرات نتيجة سوء التنظيم، الأمر الذي زاد من حالة الاحتقان بين المواطنين.

المؤسف أن هذه الفوضى لم تكن مجرد مشكلة تتعلق بالتنظيم، بل كانت مؤشرًا آخر على تقاعس الحكومة عن توفير احتياجات المواطنين، خاصة في ملف الإسكان الاجتماعي الذي يفترض أن يكون حلًا للكثير من الفئات المحرومة.

وعلى الرغم من التأكيدات الحكومية التي تتحدث عن طرح أكثر من 70 ألف وحدة سكنية، منها 60 ألف وحدة لمحدودي الدخل، فإن توزيع هذه الوحدات على المواطنين يبدو أنه لا يحظى بنفس الاهتمام الذي يجب أن يحظى به، خاصة في ما يتعلق بتوفير كراسات الشروط.

علاوة على ذلك، تكشف هذه الأزمة عن معاناة حقيقية تواجهها شرائح واسعة من الشعب المصري الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف القسط الشهري المرتفع، في وقت تشهد فيه الأسعار ارتفاعًا مستمرًا في كافة السلع.

فما بين الارتفاع الجنوني للأسعار وتراكم الديون على المواطنين، يظهر جليًا أن الحكومة لا تولي اهتمامًا حقيقيًا لمشاكل الفقراء.

وكأن ذلك لم يكن كافيًا، نجد أن الوزارات المعنية لا تقدم أي حلول عملية لمعالجة الأزمات المستمرة، بل إنها تكتفي بإصدار بيانات صحفية وتقديم وعود غير قابلة للتنفيذ.

وكان أولى بالحكومة أن تقوم بإعداد خطط عملية تضمن توزيع الكراسات بشكل عادل ومرتب، أو أن توفر حلولًا تكنولوجية حديثة تسهل على المواطنين الحصول على هذه الكراسات دون الحاجة للاصطفاف لساعات طويلة في طوابير، ما يعكس قمة التراخي والتقاعس الحكومي.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن آليات جديدة لتوسيع قاعدة المستفيدين من الإسكان الاجتماعي، فإن الواقع يكشف عن إخفاقات متتالية تتعلق بعدم وجود سياسة تنظيمية واضحة تواكب تطلعات المواطنين.

وبينما يتحدث المسؤولون عن العدد الكبير من الكراسات المباعة، تبقى الحقيقة واضحة: العدد لا يتناسب مع الأعداد الحقيقية للمواطنين الراغبين في التقديم، مما يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة هذه المبادرة الهامة.

وبالنظر إلى هذه الفوضى، أصبح من الضروري أن تقوم الحكومة بمراجعة شاملة لآليات تنفيذ مشروعات الإسكان الاجتماعي، وأن توفر كل ما يلزم من تنظيم وتسهيلات لتقديم الدعم الفعلي للمواطنين.

فالوزارات المعنية بهذا الملف، يجب أن تدرك أن تلك الإجراءات ليست مجرد أرقام تُسجل في تقاريرهم الشهرية، بل هي واقع حياة يلامس كل فرد في هذا المجتمع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى