في تطور جديد يكشف عن تقاعس وزارة الكهرباء تجاه مشروعاتها الحيوية، قامت ثلاث شركات توزيع كهرباء بإرسال إنذارات رسمية بعلم الوصول إلى شركة سيجا إم للمنتجات الكهربائية نتيجة عدم التزامها بتنفيذ أمر التوريد رقم 399.
هذا الأمر الذي كان يشمل توريد لوحات توزيع جهد متوسط بقدرات مختلفة، يتضح من خلاله بجلاء فشل الشركة المعنية في الوفاء بالتزاماتها بالرغم من تمديد مهلة التوريد.
وتأتي هذه الأزمة في وقت حساس، حيث يحتاج القطاع الكهربائي إلى استجابة سريعة لتلبية احتياجات المواطنين المتزايدة.
الأمر الذي طرح في أبريل من العام الماضي كان قد طلب توريد لوحات توزيع جهد متوسط لعدة شركات توزيع كهرباء في أنحاء مختلفة من البلاد.
التوريد كان يتضمن لوحات جهد 11 ك.ف و22 ك.ف، بالإضافة إلى خلايا دخول وخروج بجهد 11 ك.ف. وقد وضعت مواعيد دقيقة لتسليم هذه المعدات حسب احتياجات الشركات الموزعة.
إلا أنه، على الرغم من تحديد هذه الجداول الزمنية، لم تلتزم شركة سيجا إم بهذه المواعيد ولم توصل أي من المعدات المطلوبة في الوقت المحدد.
المدة المحددة لتوريد المعدات كانت موزعة على عدة مراحل: الأول كان يتطلب تسليم لوحات جهد 11 ك.ف في غضون شهر، في حين كان من المفترض تسليم باقي المعدات على مدى ثلاثة أشهر.
أما بالنسبة لبقية البنود فكان يجب أن يتم التسليم فورا أو بعد فترة محددة من استلام أمر التوريد. ولكن الواقع كان مختلفاً تماماً. الشركة لم تلتزم بالتسليم في أي من المراحل المحددة، ما دفع الشركات المستفيدة إلى التقدم بشكاوى وإرسال إنذارات متعددة إلى المورد.
الغريب في الأمر أن وزارة الكهرباء لم تتحرك بالشكل المطلوب لمحاسبة المورد المتقاعس أو لضمان التوريد في الأوقات المحددة.
فقد استمرت الوزارة في السماح بتأجيل المهام دون اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المورد الذي لم يلتزم بالتواريخ المتفق عليها. والمثير للدهشة أن الوزارة لم تُظهر أي استجابة حاسمة رغم الشكاوى المستمرة من الشركات المتأثرة.
الموضوع لا يتوقف عند مجرد تقاعس في التوريد، بل يكشف عن أوجه الفساد المستشري في إدارة المشروعات بوزارة الكهرباء. منذ بداية الأزمة، كانت هناك محاولات من قبل بعض المسؤولين للتغطية على الفشل، بل وتشجيع بعض الموردين على تجاوز التواريخ المحددة دون محاسبة.
وبدلاً من اتخاذ إجراءات قانونية ضد الشركة المتقاعسة، اكتفى البعض بالاستجابة لطلب تمديد المدة. وهو ما يعكس بوضوح حالة الترهل التي يعاني منها قطاع الكهرباء في مصر.
إن الفساد الذي يعصف بقطاع الكهرباء قد طال جميع جوانب العمل، من تأخير في تنفيذ المشروعات إلى التلاعب بالقرارات الإدارية.
والأخطر من ذلك، هو أن هذا التقاعس ينعكس على المواطنين الذين يواجهون ضعفاً في الإمدادات الكهربائية، وتأخراً في تنفيذ المشاريع التي كان من المفترض أن تساهم في تحسين البنية التحتية للطاقة.
لقد أرسلت الشركات المعنية إنذارات رسمية، تؤكد عدم قدرة المورد على الوفاء بالتزاماته، ومع ذلك، كان هناك نوع من التسويف المستمر في اتخاذ القرارات الحاسمة.
لم تكن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الكهرباء على مستوى الأزمة، ولم يظهر أي نوع من الجدية في معالجة الأمر بشكل فوري، وهو ما يعزز الشكوك حول وجود تساهل مع الشركات الموردة التي لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه.
إن الممارسات التي نراها الآن تُظهر أن هناك تقاعساً غير مبرر من قبل الوزارة وشركات التوزيع التي تديرها. هذا التقاعس هو أحد مظاهر الفساد المستشري في القطاع، الذي يساهم في إضعاف ثقة المواطنين في الحكومة والقطاع العام.
وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فإن الإصلاحات التي تعد بها الحكومة في قطاع الطاقة ستظل حبرا على ورق ولن يكون لها أي تأثير على أرض الواقع.
ما تحتاجه وزارة الكهرباء في هذه المرحلة هو إصلاح جذري في طريقة التعامل مع الشركات الموردة وتنفيذ المشروعات، وإجراءات حازمة لمحاسبة الشركات التي لا تلتزم بالعقود والمواعيد.
يجب أن تكون هناك شفافية في التعامل مع الملفات المعلقة، ويجب أن تتحمل الوزارة المسؤولية الكاملة عن تأخر التوريد، وليس الاكتفاء بالتسويف والتأجيل.
إن قطاع الكهرباء يحتاج إلى إصلاحات جذرية تضمن استجابة سريعة وحلولاً فعالة لحل هذه المشكلات المتراكمة، بدلاً من الاستمرار في هذا الوضع المزري الذي يعيق التقدم ويؤثر سلباً على المواطنين.
إن تأخر توريد المعدات الحيوية والتقاعس الواضح في تنفيذ عقود التوريد يطرح تساؤلات عدة حول مصير المشروعات المستقبلية في قطاع الكهرباء.
إذا كانت الوزارة لا تستطيع ضمان توريد المعدات الأساسية في الوقت المحدد، فكيف يمكن للمواطنين أن يتوقعوا تحسينات جذرية في مستوى الخدمات؟ يبدو أن الوزارة تحتاج إلى إعادة تقييم شامل لأدائها، والبحث عن حلول عاجلة قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر مما هي عليه الآن.
إلى جانب فشلها في التعامل مع الموردين المتقاعسين، تبقى وزارة الكهرباء في موقف ضعف أمام الانتقادات المتزايدة حول إدارة المشروعات.
وليس هذا فحسب، بل إن الفساد الإداري داخل الوزارة أصبح يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق أي تقدم ملموس في القطاع، وبالتالي، فإن معالجة هذه القضايا يجب أن تكون على رأس أولويات الحكومة إذا كانت جادة في إصلاح القطاع الكهربائي وتحقيق التنمية المستدامة.