مصر

هل انتقل الغضب الشعبي إلى القضاة وضباط الشرطة؟! (تقرير)

يواجه القضاة وضباط الشرطة المصريون صعوبات مالية متزايدة، مما أثار حالة من الاستياء والغضب تجاه السياسات الحكومية تحت إدارة الرئيس عبدالفتاح السيسي. على الرغم من المميزات المالية التي حصلوا عليها منذ عام 2013، إلا أن موجات الغلاء والتضخم أثرت سلبًا على أوضاعهم المعيشية.

وكشف عدد من القضاة وضباط الشرطة في تصريحاتهم عن انزعاجهم الكبير من القرارات والتوجهات الحكومية التي أدت إلى تدهور أوضاعهم المالية. الأمر الذي تصاعد بعد قرار وزير العدل المستشار عدنان الفنجري بإحالة 48 قاضياً من محاكم الاستئناف والابتدائية إلى التحقيق بسبب شكواهم من تدهور ظروفهم المالية. وقد اعتبر هذا القرار بمثابة خطوة مثيرة للجدل اعتنقتها الحكومة ردًا على الغضب الذي يعبر عنه القضاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يشتكي القضاة من ضغوط مالية على الرغم من الزيادات التي حصلوا عليها في الرواتب والمعاشات، وتقارير تصف حالة من الإحباط لدى ضباط الشرطة الذين يشعرون بالعجز عن مواجهة غلاء الأسعار والتدهور الاقتصادي.

القضاة المصريون يعبرون عن استيائهم من التمييز في المرتبات والامتيازات المالية

أعرب مجموعة من القضاة المصريين عن شكاواهم من التمييز الواضح في المرتبات والامتيازات المالية بين أعضاء الهيئات القضائية، مما يعكس عدم التطبيق الفعلي لمبدأ المساواة الذي تم الإشارة إليه سابقاً.

في تفاصيل الشكوى، تتعلق القضية بالفروقات الكبيرة في الرواتب بين قضاة محاكم النقض وقضاة محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية. حيث أفاد القضاة أن مرتبات رؤساء محاكم الاستئناف تبلغ 40 ألف جنيه شهريًا، بينما يبلغ راتب نظرائهم في محكمة النقض 75 ألف جنيه. هذا التفاوت في الرواتب يثير القلق ويدق ناقوس الخطر حول استقلالية القضاء المصري.

وتحدث القضاة في مجموعات مغلقة عن تحولهم إلى موظفين لدى السلطة التنفيذية، وفقدان حقوقهم المالية بفعل هذا التمييز. وقد أشاروا إلى أن انعدام المساواة في المعاملات المالية ينتهك المبادئ التأسيسية للعدالة، وأعربوا عن استيائهم من عدم تطبيق مجلس القضاء الأعلى لمبادئ المساواة المذكورة.

من جانبها، أصدرت مجموعة من رؤساء محاكم الاستئناف مذكرة قبل أيام إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، المستشار حسني عبداللطيف، تحتوي على مطالباتهم المشروعة بتحقيق المساواة بين جميع القضاة.

وتعود جذور هذه القضية إلى ما أقره الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو 2021، حيث تم التأكيد على ضرورة المساواة في المعاملة المالية للمستشارين في الدرجات المناظرة بكل الجهات والهيئات القضائية، باستثناء المحكمة الدستورية العليا.

القضاة المصريون يطالبون بالمساواة في الرواتب لمواجهة أزمة الغلاء

في ضوء ارتفاع تكاليف المعيشة، يتحدث قضاة محكمة الأسرة عن معاناتهم المتزايدة جراء موجات الغلاء، مؤكدين ضرورة تحقيق المساواة في الرواتب والامتيازات الحيوية.

أكد القاضي (ع. ش) أن القضاة يعانون من تكاليف الحياة المرتفعة، التي تؤثر سلبًا على قدرتهم في تأمين أدنى متطلبات المعيشة، مما يجعل توفير الحد الأدنى من الترفيه والمحافظة على المظهر الاجتماعي تحديًا كبيرًا. ويشير إلى أن الدعاوى القضائية التي قُدمت منذ عام 2015 لم تحقق الهدف المنشود في تحقيق المساواة بينهم وبين قضاة المحكمة الدستورية، حيث ظل التمييز الدائم بين الفئات القضائية.

وحث على ضرورة معالجة قضية المساواة في الرواتب والمخصصات المالية، مشيرًا إلى أن الوضع الآن لم يعد يقتصر فقط على قضاة المحكمة الدستورية بل يشمل أيضًا جميع القضاة في المحاكم الدستورية والعليا، الذين يطالبون بزيادة مستحقاتهم المالية لمواجهة ارتفاع الأسعار.

حدد القضاة مطالبهم الأساسية لتشمل:

  • المساواة بين قضاة المحاكم الثلاث (النقض والاستئناف والابتدائي) في الرواتب والحوافز.
  • زيادة قيمة حضور الجلسات ونسب دعم العلاج.
  • زيادة المعاشات ودعم صناديقهم.

وعلى الرغم من أن القضاة يتمتعون بأمان مالي غير منصوص عليه ضمن الحد الأدنى للأجور، إلا أنهم فوجئوا بتحقيقات لعدد من زملائهم بسبب مناقشاتهم في دوائرهم الخاصة حول قضايا المساواة. وبهذه المناسبة، أشار القاضي إلى أهمية أن تكون الشكاوى لديها قناة رسمية تتمثل في رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى.

“لقد أصبح من الضروري الاستماع إلى طلباتنا المشروعة وتحقيق العدالة بين جميع القضاة، فالتمييز السائد ليس في مصلحة أحد” ، يقول القاضي (ع. ش).

القضاة في مصر: صراع الحقوق والامتيازات تحت حكم السيسي

تسليط الضوء على الظروف المعيشية القاسية التي يتعرض لها القضاة في مصر، حيث يعاني هؤلاء من نقص في الحقوق وزيادة في الضغوط، مما يهدد استقرار النظام القضائي.

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً في المطالبات من قبل “نادي القضاة” لتحسين أوضاعهم المالية، حيث دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة إلى مطالبة القضاة برفع الرواتب والامتيازات. ووفقًا لرئيس نادي القضاة، المستشار محمد عبد المحسن، فإن القضاة يعانون من نقص في حقوقهم بسبب غياب المساواة مع بعض الهيئات القضائية الأخرى، مما أثار قلقاً واسعاً حول استقرار القضاء وحسن سير العدالة.

منذ انقلاب السيسي في عام 2013، أقدم النظام على منح القضاة مكافآت مادية وامتيازات خاصة، إلا أنه في نفس الوقت تم رفع الرسوم القضائية بشكل مستمر. فعلى سبيل المثال، تم إقرار قانون “الرسوم القضائية” في عام 2016، والذي ينص على إضافة دمغة بقيمة عشرة جنيهات على جميع رسوم الدعاوى القضائية لدعم صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة.

وعلى الرغم من هذه الزيادة في المكافآت، يشير حقوقيون إلى أن القضاة باتوا تحت سيطرة السلطة التنفيذية، موجهين انتقاداتهم لصدور العديد من الأحكام بحق المعارضين للحكومة. وقد أشار مراقبون إلى أن التعديلات الدستورية التي أجريت في أبريل 2019، منحت الرئيس السيسي السلطة لاختيار رؤساء الهيئات القضائية بشكل يتعارض مع مبدأ الأقدمية، مما يعكس مدى التأثير الذي يمكن أن يتسبب به هذا التدخل على استقلالية القضاء.

في ظل هذه الأزمة، يبقى مستقبل القضاء المصري معلقًا بين ضغط السلطة التنفيذية ومطالب القضاة الذين يسعون لتحقيق حقوقهم.

شكاوى الضباط: الشرطة تعاني من الفجوة المالية والامتيازات العسكرية

تسعى وزارة الداخلية المصرية، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، إلى معالجة حالة الغضب المتزايدة بين ضباط الشرطة، الذين تعبّر شكاواهم عن تدهور أوضاعهم المالية مقارنة بنظرائهم في الجيش.

تكشف شهادات ضباط الشرطة عن شعور عام بالإحباط نتيجة للمقارنة المقلقة بين الرواتب والمخصصات العسكرية والشرطية. حيث أفاد أحد الضباط برتبة رائد في حديثه لموقع “عربي21” بأن “الكثير من الضباط يشكون أوضاعهم المالية بالمقارنة بأوضاع ضباط الجيش وامتيازاتهم”، مؤكداً أنهم يعيشون في “وزارة الظلم”.

وفي تفاصيل الشكاوى، اشتكى الضباط من تمييز واضح لصالح ضباط الجيش، حيث يتمتعون برواتب ومخصصات ضخمة، بالإضافة إلى تيسيرات تتضمن السكن والنقل، مما يولد حالة من الغضب المكتوم بين رجال الشرطة. واستعرض أحد الضباط المخاوف المتزايدة من “تغول الجيش على صلاحياتهم” مبيناً أن بوليس الدولة يواجه صعوبات في تأدية مهامه بسبب الفجوة الحادة في الرواتب والامتيازات.

ووفقًا للتصريحات، فإن التشكيك في أوضاعهم المالية لم يقف عند حدود الرواتب، بل امتد إلى التأثر خلال أداء الواجبات اليومية. أشار الضابط إلى أن العاملين في الشرطة، بما في ذلك الدرجات الأدنى، يتعاملون مع فترة عمل طويلة قد تصل لـ 48 ساعة دون حصولهم على الوجبات أو الرعاية المناسبة، في حين يحصل نظراؤهم في الجيش على جميع أنواع الدعم أثناء تأدية نفس الواجبات.

وأشار المصدر نفسه إلى موقف مؤسف تعرض له خلال تأمين مباراة، حيث مُنع من ركن سيارته في أماكن مخصصة لموظفي الجيش فقط، مما يعكس التمييز في المعاملة.

الغضب الشعبي يتصاعد ويتجاوز الحدود: تحذيرات من خبراء الشؤون السياسية حول التأثيرات السلبية لسياسات النظام المصري

أثارت حالة الغضب الشعبي المستمرة في مصر قلقاً متزايداً، حيث انتقلت مؤشرات الاستياء إلى العاملين في وزارات سيادية، مما يشير إلى عمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.

وفي تعليق له حول دلالات هذه المرحلة الجديدة من الغضب، أكد الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية أحمد مولانا أن “سياسات النظام الاقتصادية أضرت بأغلب شرائح المجتمع، وستكون لها تأثيرات عميقة على بنية المجتمع المصري”. وأضاف مولانا أن الشكاوى بدأت تتصاعد من دوائر العمل الحكومية، مما يعكس احتقاناً غير مسبوق.

واستطرد مولانا قائلاً: “الاعتماد على الاستدانة من الخارج وقروض صندوق النقد الدولي، واحتكار شركات الجيش للمشاريع الكبرى والمربحة، وصفة أكيدة لتدمير الاقتصاد”. ويعتقد أن تلك السياسات قد أدت إلى تفشي الفساد، ولم يستفد منها سوى الفاسدين وسماسرة الأزمات.

وأوضح أن “المشاكل الاقتصادية والمعيشية لن تقتصر فقط على فئة معينة، بل ستمتد لتشمل بقية قطاعات المجتمع”. تأتي هذه التحذيرات في وقت تبحث فيه الحكومة عن حلول لتحسين الوضع الاقتصادي، ولكن معظم المحللين يرون أن التغييرات الجذرية ضرورية لتجنب انهيار شامل

العميد عادل الشريف: “حتمية ثورية قادمة تعكس واقع المجتمع المصري”

حذر الخبير العسكري المصري، العميد عادل الشريف، من أن حالة التمييز والفروق الطبقية تعمقت في المجتمع المصري، مشيراً إلى أن هذه الظروف قد تؤدي إلى ثورة قادمة قد تكون أكثر عنفاً مما شهدته البلاد في السابق.

أوضح الشريف أن التمييز انعكس على فئات عديدة، حتى بين الضباط العسكريين الذين عانوا من تدهور في مستوى الخدمات وحقوقهم، حيث أشار إلى أن غالبية الضباط المتقاعدين يعانون من سوء المعاملة في مستشفيات ونوادي الجيش.

وقال الشريف: “المشهد في عمارات ضباط الجيش بشرق القاهرة يوضح أن الغالبية العظمى منهم في سن معاش، وقد توفى نصفهم تقريباً، والتعامل معهم قاسي وغير مقبول.”. ولفت إلى وجود “عنصرية بغيضة” حتى بين الضباط العاملين، مما يؤكد وجود تمييز صارخ يعتمد على المناصب ومواقع العمل.

وأضاف العميد الشريف: “كل هذه المؤشرات تشير بوضوح إلى حتمية ثورة قادمة، وهذه الثورة ستكون ثورة الجميع. إذا لم تتوفر قيادة لتوجيه الأمور وتقليل عنف المواجهات، فستكون العواقب وخيمة، وستكون الضحايا أكثر مائة ضعف من ضحايا 25 يناير 2011.”

وختم الشريف محذراً من أن “غلاء الأسعار قد تجاوز الحدود المقبولة، في حين أن الأغنياء يعيشون في مجمعاتهم السكنية بعيداً عن الأزمات، وأرقام أموالهم محصورة في البنوك، وهذا الوضع سيتدمر تحت وطأة غضب الشعب المصري.” مشيراً إلى أن “هذا هو السبب وراء بكاء السيسي واعترافه بأننا نعيش حالة نكسة مماثلة ل1967”.

الأزمات المركبة للنظام المصري: تحليل سياسي للأوضاع الراهنة

تواجه مصر أزمات متعددة تعكس توترات عميقة في النظام السياسي، حيث يتصدر المشهد السياسي تصريح رضا فهمي، السياسي المصري ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان سابقًا، الذي حذر من الأوضاع المتأزمة التي يعيشها النظام تحت قيادة الرئيس السيسي.

أوضح فهمي أن السيسي يعيش في أزمات متراكبة، مشيرًا إلى أن استراتيجياته تعتمد بشكل كبير على المؤسسة العسكرية كدرعٍ له. وفي هذا الإطار، قال: “كل ما يعزز موقفه ويثبت وضعه سيحافظ عليه، ونظرته أن المؤسسة العسكرية درعه وسنده وملاذه للحفاظ على الحكم”.

وأضاف فهمي أن السيسي يتحكم في الشرطة والقضاء بطريقة تعكس سياسة خاضعة، قائلاً: “صحيح أنهم يلعبون دورا ليس بسيطا، ولكنه يخاف وقت الجد وخاصة من الشرطة”. وقد تمثلت مخاوفه في احتمالية حدوث انفلات أمني أو حراك مجتمعي أو حتى مظاهر ثورية كما حدث في عام 2011.

وبشأن الوضع الاقتصادي، أكد فهمي على أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة هي المحور الرئيس للأزمات الحالية، حيث ازدادت الأمور سوءًا جراء بيع الأصول والاعتماد على المنح الخليجية، مشيرًا إلى أن “الأزمة من وجهة نظره، هي الاقتصاد”. وأوضح أن تقليص النفقات الداخلية أصبح ضرورة، ولكن “لا يستطيع تقليص اقتصاد المؤسسة العسكرية لصالح الدولة ولا حجب امتيازات قادتها وضباطها”.

وفي تحليله لعلاقة السيسي بالمؤسسات الأخرى، أشار فهمي إلى أن “سوط النظام طال الجميع”، مؤكداً أن من غير المستبعد أن تمتد تلك الأزمات إلى مؤسسات أخرى، بما في ذلك الشرطة والقضاء. وأوضح قائلاً: “السيسي يعرف المؤسسات التي تثبت أركانه ولا يأتي على مصالحها ويعرف تلك التي يستطيع هرسها”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى