تقارير

استمرار تداعيات ارتفاع الدولار على أسعار زينة الكريسماس يكشف الأزمة الاقتصادية في مصر

تشهد الأسواق المصرية منذ فترة طويلة ارتفاعات متواصلة في أسعار مختلف السلع والخدمات، والتي وصل بعضها إلى مستويات غير مسبوقة، وتعتبر زينة وأشجار الكريسماس أحد أبرز الأمثلة على هذا التضخم المتزايد، حيث ارتفعت أسعارها بنسبة تجاوزت 30% مقارنة بالعام الماضي.

هذا الارتفاع لم يكن مفاجئًا بالنسبة للكثير من المتابعين، إذ أن أزمة الدولار الحالية في البلاد أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول تداعيات سياسات الحكومة المصرية وإجراءاتها التي فشلت في مواجهة الأزمة بشكل فعال.

في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المصري من تدهور مستمر في مستوى معيشته جراء الارتفاعات الحادة في الأسعار، لا تزال الحكومة في حالة من التقاعس الشديد ولا تتحرك باتجاه إيجاد حلول حقيقية لهذه المشكلة.

إن ارتفاع أسعار السلع مثل زينة الكريسماس لم يكن فقط بسبب ارتفاع الدولار، بل يعود بشكل أساسي إلى عدم قدرة الحكومة على توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع غير الأساسية، ما دفع الشركات والتجار إلى اللجوء للسوق السوداء للحصول على الدولار، في وقت تواصل فيه الحكومة منع التعامل بالعملة الأجنبية عبر القنوات الرسمية في البنك المركزي.

هذا الوضع لم يقتصر فقط على زينة الكريسماس، بل امتد ليشمل العديد من السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن المصري في حياته اليومية.

وفي خطوة يراها العديد من الخبراء الاقتصاديين غير موفقة، أقر البنك المركزي المصري في مارس 2022 قرارًا يقضي بعدم تمويل قائمة تضم 13 سلعة غير أساسية إلا بموافقة مسبقة من البنك، في محاولة للحد من استنزاف العملة الأجنبية.

ورغم أن هذا القرار كان يهدف إلى تقليل الضغط على الاحتياطات النقدية للبلاد، إلا أنه لم يكن أكثر من مجرد إجراء تجميلي لم يحقق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع، بل زادت الفجوة بين السوق الرسمية والسوق الموازية بشكل أكبر. وبمجرد أن أُعيد تمويل هذه السلع مجددًا في نوفمبر الحالي، كان واضحًا أن هذا التوجه الحكومي لم يكن سوى محاولة لتخفيض معدلات التضخم التي تزايدت بشكل غير مسبوق.

منذ مارس 2022، كان قرار منع تمويل هذه السلع بمثابة القشة التي قصمت ظهر الاقتصاد المصري، حيث شملت القائمة السلع الأكثر طلبًا مثل السيارات والهواتف المحمولة والمجوهرات والأثاث، إضافة إلى الملابس الجاهزة والألعاب المخصصة للأطفال، ومنها ألعاب بابا نويل التي يزداد الطلب عليها في موسم أعياد الميلاد. إلا أن ارتفاع أسعار هذه السلع وقلّة المعروض منها لم يقتصر فقط على هذه الألعاب، بل امتد ليشمل مختلف المنتجات الأساسية التي لا غنى عنها للمواطن المصري.

في الوقت الذي كان فيه التجار والمستوردون يواجهون صعوبة كبيرة في الحصول على الدولار من السوق الرسمية، لجأوا إلى السوق السوداء، حيث كانوا يضطرون إلى دفع عمولات تتراوح بين 5% إلى 15% من قيمة الأموال بالجنيه مقابل الحصول على الدولار. هذا الوضع أدى إلى تضخم الأسعار بشكل غير طبيعي، وزاد من معاناة المواطنين الذين أصبحوا غير قادرين على شراء العديد من السلع الأساسية.

لكن الأغرب من ذلك هو أن الحكومة المصرية لم تتخذ أي خطوات حقيقية للتخفيف من هذه الأزمة. فبدلاً من العمل على تحسين سياسات الاستيراد وتوفير العملة الأجنبية بشكل كافٍ عبر البنوك الرسمية، استمرت في سياسة غلق الأبواب أمام المستوردين، مما زاد من تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد. وفي ظل هذه السياسات الخاطئة، نجد أن الأسعار تتصاعد بشكل يومي، بينما يبقى المواطن المصري في انتظار حلول وهمية لا تتحقق على أرض الواقع.

لم تقتصر تداعيات سياسة الحكومة على الأسواق فقط، بل شملت أيضًا الإنتاج المحلي، حيث لم يتمكن الكثير من الصناعيين المحليين من الحصول على المواد الخام اللازمة لإنتاج السلع، في وقت ارتفعت فيه تكلفة مدخلات الإنتاج بشكل كبير. هذا الوضع جعل من الصعب على المصانع الاستمرار في العمل بشكل طبيعي، مما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع والمنتجات التي يتم إنتاجها محليًا، وزيادة الاعتماد على الاستيراد بشكل أكبر.

ومع استمرار هذه الأزمة، أصبح من الواضح أن الحكومة لا تملك أي خطة حقيقية للتعامل مع الوضع الراهن، بل تواصل السير على نهجها الفاشل الذي لا يتغير. لقد فشلت الحكومة في توفير العملة الصعبة، وفسدت السياسات الاقتصادية التي كانت من المفترض أن تحل الأزمة، حيث لا تزال معظم السلع الأساسية تزداد أسعارها بشكل ملحوظ، بينما يعاني المواطن المصري من تدهور مستمر في قدرته الشرائية.

الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الحكومة لم تتخذ أي خطوات جدية لمواجهة الفساد المستشري في كافة قطاعات الدولة، بما في ذلك قطاع الاستيراد والتصدير، الذي تسيطر عليه شبكة من التجار والمستوردين الذين استفادوا من السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تنتهجها الحكومة. هؤلاء التجار الذين يستغلون الوضع الاقتصادي الحالي لتكريس نفوذهم وزيادة أرباحهم على حساب المواطن البسيط، باتوا يشكلون عبئًا إضافيًا على الاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمة حقيقية.

إن الفشل الحكومي في التعامل مع أزمة الدولار وارتفاع الأسعار لا يمكن أن يمر دون محاسبة. وعلى الرغم من الوعود التي قطعتها الحكومة بتقليل معدلات التضخم وتوفير السلع الأساسية بأسعار معقولة، إلا أن الواقع يؤكد أن هذه الوعود لا تعدو كونها مجرد كلمات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى