تشهد مدينة الأقصر في هذه الفترة تزايدًا غير مبرر في أسعار الإقامة الفندقية في ظل معاناة قطاع السياحة من سوء الإدارة والفساد الحكومي المتفشي، حيث سجلت الفنادق زيادة هائلة في الأسعار خلال شهر نوفمبر مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
هذه الزيادة تتراوح بين 33% إلى 50%، ما يمثل عبئًا إضافيًا على السياح الذين يزورون المدينة. فبينما كانت أسعار الإقامة تتراوح ما بين 80 و90 دولارًا للغرفة الواحدة في نفس الوقت من العام الماضي،
ارتفعت الأسعار لتصل إلى 120 دولارًا في الليلة الواحدة هذا العام، رغم أن هناك زيادة طارئة في عدد السياح، ولكن هذا لا يبرر الارتفاع الفاحش في الأسعار الذي يعتبر استغلالًا واضحًا للمسافرين.
من الواضح أن هذه الزيادة في الأسعار تأتي في وقت يشهد فيه القطاع السياحي انتعاشًا طفيفًا بعد فترة طويلة من التدهور، حيث ارتفعت نسبة الإشغال في الفنادق إلى 80% في نوفمبر الجاري مقارنة بـ 65% في نفس الفترة من العام الماضي.
ولكن ما يثير الدهشة أن هذا التحسن في الإشغالات لا يبدو أنه يساهم في تحسين وضع القطاع بشكل حقيقي، بل إن بعض الفنادق، التي ترفع الأسعار بشكل غير معقول، تبقى خالية من الخدمات الأساسية، في إشارة إلى التراخي الواضح في الرقابة الحكومية على هذا القطاع.
الحكومة المصرية، بدلاً من أن تكون في صف المواطن والمستثمر، تعمل على تحقيق مصالحها الخاصة على حساب الجميع. في وقت تشهد فيه الأقصر، وخصوصًا مع تزايد الرحلات السياحية، زيادة في حركة الطيران العارض والطيران منخفض التكلفة،
حيث ارتفع عدد الرحلات المباشرة إلى الأقصر إلى 20 رحلة أسبوعيًا بعد أن كان عدد الرحلات لا يتعدى العشر في الشهر السابق، نجد أن الحكومة تتجاهل تمامًا دعم هذه التحسينات والتوسع السياحي، بل وتستمر في سياسة استنزاف الجيوب.
ففي حين أن ارتفاع عدد الرحلات قد يعني فرصة كبيرة لتحسين الاقتصاد المحلي وزيادة الإيرادات، نجد أن هناك تقاعسًا شديدًا من قبل الحكومة في تأمين البيئة المناسبة للمستثمرين والقطاع السياحي بشكل عام. فلا توجد تحركات حقيقية من قبل الحكومة لتطوير البنية التحتية التي تحتاجها المدينة، ولا ضمانات حقيقية لحماية حقوق العاملين في القطاع السياحي الذين يتعرضون لاستغلال الشركات الكبرى، والتي تجد دائمًا دعمًا حكوميًا غير مبرر.
وعلى الرغم من الزيادة في حركة الطيران، فإن الحكومة لا تقدم أي تسهيلات حقيقية لمشروعات صغيرة أو محلية قد تساهم في توفير خدمات أفضل للسياح بأسعار معقولة، وهو ما يظهر جليًا في تزايد معدلات الفساد.
ويلاحظ كذلك أن التلاعب في أسعار الخدمات الأساسية مثل الفنادق، إضافة إلى ارتفاع تكلفة تذاكر الطيران والزيارات السياحية، يساهم بشكل غير مباشر في تقليل قدرة المواطنين المصريين على الاستفادة من السياحة الداخلية، وهو ما يعكس إهمال الحكومة في دعم قطاع السياحة المحلية.
كما أن حكومة مصر لا تدرك أو تتجاهل تمامًا كيف يمكن أن يؤدي الفساد والرشاوى المستشري في القطاع السياحي إلى تدمير سمعة البلاد على الساحة الدولية.
فمع تصاعد الأسعار بشكل غير مبرر، وانعدام الرقابة الحقيقية على جودة الخدمات المقدمة للسياح، تزداد حالة التذمر بين السياح والزوار، مما قد يضر بشكل دائم بالقطاع السياحي الذي لا يقتصر تأثيره على الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى صورة البلاد في أعين العالم.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث تزداد حدة الشكاوى من تدهور الخدمات وعدم احترام حقوق العاملين في القطاع السياحي، ما يساهم في زيادة التوتر بين العاملين في الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية وبين السياح. الوضع الذي تعيشه الأقصر يعكس حالة من الفوضى غير المدروسة التي تزداد مع مرور الوقت.
بدلاً من أن تستغل الحكومة هذه اللحظة لتعزيز القطاع السياحي وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، نجدها في موقف المتفرج الذي يفتقر إلى أي رؤية حقيقية لتحسين القطاع.
الفساد الذي ينخر في جسد الحكومة المصرية أصبح يشكل تهديدًا كبيرًا على أي فرصة حقيقية لإصلاح هذا القطاع. ففي حين أن الحكومة في نظر نفسها تدعي اهتمامها بتطوير السياحة وجذب السياح، إلا أن الحقيقة الواضحة تكمن في أنه لا يوجد أي تخطيط استراتيجي حقيقي أو خطط طويلة الأمد لمعالجة المشكلات المزمنة التي يعاني منها القطاع السياحي، بل هناك سياسة تكمن في البحث عن أقصى استفادة مالية من السياح دون تقديم أي تحسينات ملموسة في الخدمات.
من جهة أخرى، يجب أن تتدخل الحكومة بشكل عاجل لوضع حد لهذه الزيادة غير المبررة في الأسعار، والتي قد تكون لها تداعيات سلبية على سمعة مصر كوجهة سياحية.
هذا التلاعب بالأسعار يساهم في تدهور سمعة الأقصر بل وسائر المدن السياحية المصرية، حيث من المتوقع أن يؤدي هذا الارتفاع غير المبرر في الأسعار إلى تراجع أعداد السياح الذين يقصدون البلاد.
وفي خضم هذا الوضع السيئ، يجب أن يتساءل المواطنون والمستثمرون في السياحة عن الدور الذي تلعبه الحكومة في الحد من هذه الفوضى.
ما الذي تقدمه الحكومة من حلول لحماية قطاع السياحة من الانهيار؟ لا شيء على الإطلاق، سوى مزيد من الإهمال والفساد الذي ينعكس سلبًا على كل جوانب الحياة الاقتصادية في مصر.