كشف مصدر موثوق في الدوائر الحكومية عن التأخير الكبير في إصدار القرار الخاص بتشكيل المجلس الأعلى للإعلام، وأرجع السبب في ذلك إلى اعتراض أحد الأجهزة الأمنية على بعض الترشيحات التي كانت قد تم تقديمها لشغل المناصب القيادية في المجلس، سواء للرئاسة أو العضوية.
وأوضح المصدر أن هذا الاعتراض كان وراء تأجيل الإجراءات الخاصة بتشكيل المجلس، ما أثار العديد من التساؤلات حول دور الأجهزة الأمنية في التأثير على التعيينات الحكومية.
في البداية، كان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، قد تم ترشيحه لتولي رئاسة المجلس الأعلى للإعلام، لكن تم استبعاده في وقت لاحق لصالح خالد عبد العزيز، رئيس التحالف الوطني للعمل الأهلي.
وكان هذا التغيير مفاجئًا نظرًا لأن رشوان كان يشغل منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات منذ عام 2017، ولديه تاريخ طويل في العمل الإعلامي وتطوير السياسات الإعلامية في مصر.
الرئاسة كانت قد قررت في البداية اختيار رشوان لتولي هذا المنصب الرفيع، على أن يتم تعيين عزت إبراهيم، رئيس تحرير “الأهرام ويكلي”، ليخلفه في رئاسة الهيئة العامة للاستعلامات، لكن هذه التعيينات لم تُنفذ حتى الآن، ما يثير التساؤلات حول التأثيرات السياسية والإدارية التي أدت إلى هذه التعديلات في التشكيل.
بعد تأخير دام عدة أشهر، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بتشكيل المجلس الأعلى للإعلام برئاسة خالد عبد العزيز، وهو الشخصية التي شغلت سابقًا منصب وزير الشباب والرياضة، ولها تاريخ طويل في العمل الاجتماعي والسياسي، وتحديدًا في مجالات الشباب والعمل الأهلي.
وقد جاء قرار تشكيل المجلس الجديد بعد مضي أكثر من خمسة أشهر على انتهاء فترة المجلس السابق الذي كان يرأسه الكاتب الصحفي كرم جبر.
كما شمل القرار إعادة تشكيل الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، حيث تم تعيين عبد الصادق الشوربجي رئيسًا للهيئة الوطنية للصحافة، والإعلامي أحمد المسلماني رئيسًا للهيئة الوطنية للإعلام. هذه التغييرات جاءت ضمن مساعي الدولة لتنظيم المشهد الإعلامي بشكل أكثر فاعلية في ظل التحديات التي يواجهها الإعلام الرسمي في مصر.
تشكيل المجلس الأعلى للإعلام الجديد جاء ليضم مجموعة من الشخصيات البارزة في المجال الإعلامي، ومن بينها عبد المحسن سلامة، نقيب الصحفيين الأسبق، وعادل حمودة، مؤسس ورئيس تحرير جريدة “الفجر”، واللذين تم اختيارهما كممثلين عن الشخصيات العامة.
كما ضم التشكيل علا الشافعي، رئيسة تحرير جريدة “اليوم السابع”، ممثلة عن الصحفيين، إلى جانب عصام الأمير، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق، ممثلًا عن الإعلاميين، والمستشار عبد السلام النجار ممثلًا عن مجلس الدولة.
أما على صعيد أعضاء المجلس الذين تم تجديد عضويتهم، فقد تم الإبقاء على كل من منى الحديدي، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، وحسام صقر، ممثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، لمدة أربع سنوات أخرى.
هذا التشكيل يُعتبر بمثابة خطوة جديدة في محاولة لإعادة تنظيم الإعلام في مصر، حيث كان من المتوقع أن يُساهم في تقديم رؤية جديدة للقطاع الإعلامي في ظل الوضع السياسي والاجتماعي الراهن.
وفي الوقت نفسه، لا يزال العديد من الإعلاميين والمراقبين يتساءلون عن قدرة هذا التشكيل على تبني سياسات جديدة تضمن حرية الصحافة والإعلام، بعيدًا عن القيود التي فرضت على المؤسسات الصحفية المستقلة في الفترات السابقة.
محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحفيين، طالب المسؤولين الجدد في المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين التابعتين له بضرورة تبني سياسات تساهم في تحسين بيئة الإعلام في مصر وتدعم حرية الصحافة.
كما أشار إلى أهمية عدم تكرار الممارسات السابقة التي كانت تقيد المؤسسات الصحفية المستقلة وتعوق منح التراخيص لها، فضلاً عن ضرورة حل أزمة حجب المواقع الصحفية المستقلة التي باتت تمثل مشكلة كبيرة للمؤسسات الإعلامية في مصر.
ورغم أن التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للإعلام قد لا يكون قد نال رضا الجميع، ولم يكن قادرًا على تحقيق التنوع الفكري الكامل بين مختلف الأطراف السياسية والصحفية، فإن الأمل يبقى معقودًا على أن يدرك المسؤولون الجدد أن الإعلام يجب أن يكون مستقلًا في تقديم رسالته، ويعكس أصوات المواطنين بكل تنوعاتهم السياسية والفكرية بعيدًا عن التوجهات الحكومية أو رغبات النظام الحاكم.
التحديات أمام المجلس الأعلى للإعلام في المرحلة المقبلة ستكون كبيرة للغاية، خاصة في ظل الانتقادات المستمرة المتعلقة بحرية الصحافة، وضرورة تعزيز استقلالية الإعلام المصري.
ومن هنا، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن المجلس الجديد من تحقيق توازن حقيقي بين الحفاظ على مصلحة الدولة وضمان حرية الصحافة، أم أن الضغوط الأمنية والسياسية ستظل لها الكلمة العليا في تحديد مسار الإعلام في مصر؟