المرأة والمجتمعتقارير

38% من المصريين يبررون ضرب الزوجة لإهمال الأطفال: أزمة قيم تهدد المجتمع

كشفت الإحصاءات في عام 2024، حقائق صادمة بشأن موقف جزء من المجتمع المصري من العنف الأسري، حيث أظهرت دراسة ميدانية أن 30% من المصريين يرون أن من حق الزوج أن يلجأ إلى العنف الجسدي ضد زوجته في حال إهمالها الأطفال.

هذه النسبة المروعة، التي تعكس تواطؤاً غير مبرر مع مظاهر العنف، تزداد سوءًا بين الفئات الأقل تعليمًا لتصل إلى 38% بين المصريين ذوي التعليم المتواضع أو الأقل، مقارنة بنسبة لا تتعدى 10% بين المصريين الذين يحملون مؤهلات جامعية أو تعليمًا أعلى.

هذا التفاوت الصارخ في الآراء بين الشرائح المختلفة يكشف عمق المشكلة وارتباطها بمستوى الوعي والثقافة السائدين في المجتمع.

العنف الأسري في أي مجتمع هو مرآة تعكس أزمات أعمق تتعلق بالقيم الاجتماعية والفكرية، وعندما يرتفع تأييد العنف بين فئات معينة من المجتمع، فإنه يطرح تساؤلات ملحة حول الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى مثل هذه المواقف.

التقرير يظهر أن التعليم يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل هذه المواقف، حيث أظهرت الدراسة أن نسب تأييد العنف تنخفض بشكل كبير بين المتعلمين تعليمًا جامعيًا. هذه الفجوة الواضحة بين مستويات التعليم المختلفة تبرز أهمية التعليم كأداة للحد من العنف الأسري ولتعزيز ثقافة احترام حقوق الإنسان في المجتمع.

إن هذه النسب التي تكشف عن قبول مقلق للعنف الجسدي داخل الأسرة، خصوصًا في حال إهمال الأطفال، تسلط الضوء على قصور حاد في التوعية المجتمعية وتجاهل مستمر لدور الأسرة كبيئة صحية تعتمد على الحوار والاحترام المتبادل.

عندما يرتفع تأييد الضرب إلى نسبة 38% بين الفئات الأقل تعليمًا، يصبح من الواضح أن الأزمة ليست فقط في العنف نفسه، بل في التبرير المستمر للعنف بوصفه وسيلة مشروعة لتأديب المرأة في حال قصرت في مهامها الأسرية.

هذه النظرة التقليدية، التي تتسم بالجمود، لا تتماشى مع متطلبات العصر الحديث أو مع المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان.

المثير للاستغراب هو أن هذا التصور للعنف كوسيلة مقبولة للتعامل مع قضايا الحياة الزوجية لا يقف فقط عند حدود الأميين أو ذوي التعليم المتواضع، بل يظهر بين شرائح مختلفة من المجتمع. على الرغم من انخفاضه بين المتعلمين تعليمًا عاليًا، إلا أن النسبة المتبقية تمثل قلقًا حقيقيًا.

فالتعليم وحده لا يبدو كافيًا لمعالجة الجذور العميقة لمثل هذه المعتقدات، وإنما يتطلب الأمر جهودًا متكاملة على مستوى الأسرة، المدرسة، والإعلام لبناء وعي جمعي ينبذ العنف بكل أشكاله.

الظاهرة التي تكشفها هذه الإحصاءات الخطيرة ليست جديدة في المجتمع المصري أو غيره من المجتمعات التقليدية، لكنها تصبح أشد خطورة عندما تبرر بعوامل اجتماعية أو اقتصادية أو حتى تربوية. إن مجرد الربط بين إهمال الأطفال وتبرير العنف الجسدي من قبل الزوج يعكس تحيزًا جندريًا متجذرًا في الثقافة الشعبية، حيث تُحمل المرأة وحدها مسؤولية رعاية الأطفال وتلبية احتياجاتهم. هذا التحيز لا يعزز فقط العنف، بل يعزز أيضًا نمطًا من الحياة الأسرية يضع النساء في موقف هش وعرضة للمزيد من الاستغلال والاضطهاد.

النقاش حول حق الزوج في ضرب زوجته نتيجة إهمال الأطفال يجب أن يتجاوز مجرد إحصائيات مروعة. بل يجب أن يتحول إلى نقاش مجتمعي واسع حول ماهية العنف الأسري وحدوده، وعن مدى تأثيره المدمر على الأسرة بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام. الأسرة التي تقوم على أساس العنف، سواء كان مبررًا أو غير مبرر، هي أسرة هشّة تفقد القدرة على تربية جيل واعٍ وقادر على مواجهة تحديات الحياة.

الأمر الأشد خطورة هو أن تبرير العنف داخل الأسرة يخلق حلقة مفرغة تعيد إنتاج ذات القيم والممارسات في الأجيال القادمة. الأطفال الذين ينشأون في بيئة تعتمد العنف وسيلة للحل والتواصل يتعلمون هذه القيم ويتبنونها كجزء من سلوكهم اليومي، ما يعزز ثقافة العنف ويعمقها في النسيج الاجتماعي. وهذا بدوره يؤدي إلى استمرار الدوامة، حيث يصبح العنف جزءًا من دورة الحياة الأسرية.

من المهم الإشارة هنا إلى أن هذه القضية ليست مجرد مسألة داخلية تخص الأسرة المصرية وحدها، بل هي جزء من مشكلة عالمية أوسع نطاقًا. ومع ذلك، يظل الوضع في مصر مقلقًا بشكل خاص نظرًا للتفاوت الكبير في المواقف الاجتماعية بين الفئات المختلفة، ما يجعل الحاجة إلى التدخل العاجل أكثر إلحاحًا. على الجهات المعنية في الدولة، سواء كانت تعليمية أو دينية أو إعلامية، أن تتكاتف لرفع الوعي بمخاطر العنف الأسري ونشر ثقافة الحوار والتفاهم داخل الأسرة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى