المرأة والمجتمعتقارير

ضرب النساء في مصر: ظاهرة تتفاقم بتواطؤ مجتمعي مخيف

كشفت الإحصاءات عن حجم العنف المنزلي الذي تتعرض له النساء في مصر خلال عام 2024، ، حيث تبين أن الضرب أصبح الشكل الأكثر شيوعًا للعنف ضد المرأة داخل المنازل.

وأظهرت البيانات أن 63% من المصريين يعترفون بأن الضرب هو الوسيلة الأساسية للعنف المستخدم ضد النساء خلف الأبواب المغلقة. هذه النسبة تسلط الضوء على واقع مرير ومستمر من الاعتداءات التي تعاني منها ملايين النساء في مصر.

وبالنظر إلى طبيعة المجتمع المصري نجد أن العنف المنزلي ليس مجرد سلوك عدواني فردي بل هو انعكاس لجذور عميقة من التقاليد والثقافة التي تسمح بانتشار هذه الممارسات القاسية إذ يتعامل المجتمع مع الضرب بوصفه أمرًا شبه معتاد بل إنه في بعض الأحيان يُنظر إليه كأداة لتأديب المرأة أو السيطرة عليها وما يزيد من تعقيد هذه الظاهرة هو القبول الاجتماعي الضمني لها وهو ما يظهر جليًا في نسبة الـ63% التي تمثل اعترافًا صريحًا من عدد كبير من أفراد المجتمع بأن الضرب جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية وعلاقاتهم الأسرية

ولكن الضرب ليس هو الوجه الوحيد للعنف ضد المرأة بل يأتي الإهانة اللفظية والشتيمة في المرتبة الثانية بنسبة 45% حيث تتعرض النساء لشتى أنواع الإهانات اللفظية التي تستهدف التقليل من شأنهن وإهانة كرامتهن داخل بيوتهن وهي نسبة مرتفعة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من خطورتها فالإهانة اللفظية ليست أقل خطورة من الضرب الجسدي بل إنها قد تكون أكثر تأثيرًا من الناحية النفسية والعاطفية فالنساء اللواتي يتعرضن لهذه الإهانات بشكل يومي يعانين من تدهور نفسي حاد قد يدمر ثقتهن بأنفسهن ويؤثر على قدرتهن في الاستمرار بحياتهن الطبيعية

إن ما يكشف عنه هذا التقرير من أرقام لا يعكس فقط انتشار العنف وإنما يعكس تواطؤًا مجتمعيًا يكرس استمرارية هذه الممارسات العنيفة فمن الواضح أن هناك حالة من القبول الضمني أو التغاضي عن هذه السلوكيات من قبل عدد كبير من أفراد المجتمع ما يجعل من محاولات التصدي لهذه الظاهرة أكثر تعقيدًا فبدلًا من أن يُنظر إلى العنف ضد المرأة بوصفه جريمة يتعين القضاء عليها يُعامل بوصفه مجرد خلافات أسرية عابرة لا تستوجب التدخل أو التغيير

والجدير بالذكر أن الأرقام الصادمة المتعلقة بالعنف ضد المرأة ليست مجرد بيانات جامدة بل هي تمثل حياة ملايين النساء اللواتي يعانين بصمت من هذه المعاملة الوحشية ويجدن أنفسهن محاصرات داخل نظام اجتماعي لا يمنحهن سوى القليل من الحماية القانونية أو الاجتماعية فالمرأة التي تتعرض للضرب أو الإهانة لا تجد غالبًا ملاذًا آمنًا تلجأ إليه للهروب من هذه الدوامة العنيفة إذ أن المجتمع بأكمله بما في ذلك أحيانًا المؤسسات الرسمية قد يُفضل الصمت أو عدم التدخل

ورغم الجهود المبذولة من قبل بعض منظمات المجتمع المدني والحقوقيين لمحاربة هذه الظاهرة إلا أن العنف المنزلي لا يزال يستمر بشكل مقلق وذلك بسبب الفجوة الكبيرة بين التشريعات القانونية وتطبيقها الفعلي على أرض الواقع ففي الوقت الذي توجد فيه قوانين تجرم العنف ضد المرأة نجد أن هذه القوانين إما غير مفعلة بشكل جدي أو أنها تصطدم بعقبات مجتمعية وثقافية تعيق تنفيذها بشكل فعال فعلى سبيل المثال كثير من الحالات التي تتعرض فيها المرأة للعنف لا تصل إلى القضاء إما بسبب الخوف من الانتقام أو بسبب الضغط المجتمعي الذي يدفع النساء إلى التنازل عن حقوقهن مقابل الحفاظ على استقرار الأسرة المزعوم

علاوة على ذلك فإن وسائل الإعلام كثيرًا ما تتناول هذه القضايا بأسلوب يتسم بالتقليل من حجم المشكلة أو بوضع اللوم على المرأة نفسها ما يعزز من استمرار هذه الظاهرة فبدلًا من أن تكون وسائل الإعلام أداة لرفع الوعي والتوعية بحقوق النساء تُستخدم في بعض الأحيان لتكريس الصور النمطية التي تبرر العنف وتجعله مقبولًا في نظر بعض فئات المجتمع وهذا هو أحد أكبر التحديات التي تواجه محاربة العنف المنزلي إذ أنه لا يكفي فقط إصدار القوانين بل يجب أن تتغير العقلية المجتمعية التي تسمح باستمرار هذه الممارسات البشعة

وفي ظل هذا الواقع المخيف تبرز الحاجة الماسة إلى جهود حقيقية ومستمرة لمكافحة هذه الظاهرة بدءًا من تعزيز القوانين وتفعيلها بشكل جدي مرورًا بتطوير برامج توعوية تهدف إلى تغيير النظرة المجتمعية تجاه المرأة ودورها داخل الأسرة وانتهاءً بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء اللواتي يعانين من العنف فبدون هذه الخطوات الجادة ستظل المرأة المصرية تواجه هذا الكابوس اليومي الذي يدمر حياتها ويعيق تقدم المجتمع بأسره

ويمكن القول بأن العنف ضد المرأة في مصر ليس قضية هامشية أو ظاهرة يمكن السكوت عنها بل هي كارثة مجتمعية تتطلب تدخلًا فوريًا وحاسمًا من جميع الجهات المعنية سواء كانت حكومية أو أهلية وذلك من أجل حماية حقوق النساء ووضع حد لهذا الانتهاك المستمر لكرامتهن وحقوقهن الإنسانية فمن غير المقبول أن يظل الضرب والإهانة اللفظية جزءًا من الحياة اليومية لملايين النساء اللواتي يعانين في صمت

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى