في الوقت الذي يعاني فيه الشعب المصري من أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية، تتفاخر الحكومة بمشروعات زراعية ضخمة لم تؤتِ ثمارها كما كان يُتوقع منها.
فقد أعلنت الحكومة عن إنشاء العديد من المشاريع الزراعية القومية التي كان من المفترض أن تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، إلا أن الحقيقة المرة هي أن هذه المشاريع لم تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، بل زادت من الأعباء على المواطن المصري دون أن تحقق الوعود المزعومة.
في السنوات الأخيرة، كانت هناك حملة إعلامية ضخمة تروج لما يسمى “المشروعات القومية الزراعية” التي تضم العديد من المبادرات الزراعية والتي كان الهدف منها زيادة المساحات المنزرعة بمختلف المحاصيل، وعلى رأسها محصول القمح.
وقد تحدثت الحكومة عن زيادة عدد الأفدنة المزروعة، وكأنها قامت بحل المشكلة الاقتصادية المزمنة الخاصة بالأمن الغذائي. لكن عند التعمق في التفاصيل، نرى أن هذه المشاريع لا تعدو كونها مسكنات ووعود كاذبة، فما الفائدة من زيادة المساحات المزروعة إذا كانت جودة الإنتاج لا تتناسب مع حجم الاستثمارات المخصصة له، وإذا كانت الحكومة تواصل غياب الرؤية والاستراتيجيات المستدامة لدعم هذا القطاع الحيوي.
من خلال التدقيق في الأرقام المتاحة، نجد أن ما تم إنجازه من زيادة في المساحات المزروعة لا يعدو كونه تحسناً ضئيلاً لا يتناسب مع الوعود الحكومية. رغم الإعلان عن زراعة مساحات جديدة من القمح، إلا أن هذه الزيادة لم تتمكن من تقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي، ما يعني أن الحكومة لم تحقق الاكتفاء الذاتي الذي طالما وعدت به المواطن المصري. بل إن الشواهد تشير إلى أن هذه المشروعات الزراعية لم تساهم بشكل فعّال في تحسين الظروف المعيشية للفلاحين الذين يعانون من ضعف في الدعم الحكومي، ويواجهون تحديات حقيقية من نقص التمويل، وعدم توفير المعدات الزراعية اللازمة، علاوة على ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات.
وفيما يتعلق بالصادرات الزراعية، التي يفاخر بها المسؤولون على الدوام، فلا شك أن هناك زيادة في حجم هذه الصادرات، حيث تجاوزت 7 ملايين طن من المنتجات الزراعية، وهو ما يمثل إنجازًا على الورق. ولكن إذا نظرنا إلى القيمة الاقتصادية الفعلية لهذه الصادرات، والتي تجاوزت قيمتها 4 ملايين دولار، فإننا ندرك أن هذه الأرقام لا تعكس الصورة الحقيقية للاقتصاد الزراعي في مصر. فحتى مع هذه الزيادة في حجم الصادرات، ما زالت مصر تعاني من عجز كبير في ميزان المدفوعات، ما يدل على أن الحكومة فشلت في إيجاد حلول جذرية لتوفير العملة الصعبة من خلال القطاع الزراعي.
أين تذهب هذه الصادرات؟ وهل هي في صالح الاقتصاد المصري؟ الواقع يؤكد أن معظم هذه الصادرات لا تذهب إلى أسواق جديدة أو ذات قيمة مضافة، بل يتم تصديرها إلى الأسواق التقليدية التي تعتمد عليها مصر منذ سنوات. ومع تراجع القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية المصرية في الأسواق العالمية بسبب ضعف الجودة، فإن السؤال الحقيقي هو: ماذا قدمت الحكومة لمواطنيها من فوائد حقيقية من وراء هذه المشروعات؟
لكن المأساة لا تتوقف عند هذا الحد، بل إن التقاعس الحكومي في دعم القطاع الزراعي، وتهميش الفلاحين، وعدم توفير البيئة المناسبة للاستثمار في الزراعة هو الذي يساهم في تأخر النتائج المأمولة من هذه المشروعات. ويكفي أن نذكر أن الحكومة المصرية قد فشلت في تنفيذ خطة لتحسين البنية التحتية الزراعية، من شبكات الري إلى الأساليب الحديثة في الزراعة، مما جعل هذه المشاريع مجرد جهد فارغ لا يحمل أية قيمة حقيقية للاقتصاد الوطني.
مما لا شك فيه أن الحكومة المصرية تواصل سياسة الفساد والإهمال التي تطال جميع القطاعات الحيوية، ومن بينها القطاع الزراعي الذي يعتبر من أهم القطاعات التي يمكن أن تحقق الاستدامة الاقتصادية في البلاد. على الرغم من الوعود والتصريحات التي تروج لها الحكومة، إلا أن الواقع لا يعكس سوى المزيد من الفشل في التعامل مع القضايا الزراعية الأساسية. وفي الوقت الذي تزداد فيه المشاكل على الفلاحين وعلى السوق المحلي، تزداد الحكومة في تفكيرها في المزيد من المشروعات الكبرى التي تروج لها عبر الإعلام، دون أن تحقق أي نتائج ملموسة على الأرض.
في النهاية، يبقى السؤال: كيف ستتمكن الحكومة المصرية من معالجة الأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد في ظل هذا التقاعس والفساد الذي يضرب أطنابه في مؤسسات الدولة؟ الإجابة واضحة، فلا مجال لتحقيق تقدم اقتصادي حقيقي في ظل هذه السياسات الفاشلة، والفساد المستشري، والإهمال في كل زاوية من زوايا إدارة الدولة. ما يحدث الآن ليس سوى محاولة لتلميع صورة الحكومة أمام الرأي العام، ولكن الحقيقة التي يعرفها الجميع أن هذه المشروعات الزراعية لن تنقذ مصر من أزماتها الاقتصادية طالما استمرت هذه السياسات في مكانها.