تقاريرتكنولوجيا

الحكومة المصرية تفرض رسوماً مجحفة على الهواتف المحمولة القادمة مع المواطنين من الخارج

في خطوة تعكس تقاعس الحكومة المصرية وتواطؤها في التعامل مع أزمة التهريب، تجري وزارة المالية في مصر آخر الترتيبات لفرض رسوم جمركية جديدة على الهواتف المحمولة التي يجلبها المواطنون من الخارج، بنسب قد تصل إلى 37.5%، وذلك بالتنسيق مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.

هذه الخطوة تأتي في ظل حديث رسمي عن محاربة التهريب وتحفيز الصناعة المحلية، لكنها في الواقع تُظهر مدى الفشل الحكومي في معالجة الأزمة الحقيقية وهي تهريب الهواتف، وتدفع المواطنين العاديين، وخاصة المغتربين، إلى تحمل عبء هذه السياسات العقابية.

بحسب مصادر حكومية مطلعة، يُخطط لتطبيق آلية تقضي بأنه بمجرد إدخال شريحة SIM جديدة في هاتف محمول، سيُمنح المستخدم فترة سماح لا تتجاوز ثلاثة أشهر قبل أن يتلقى رسالة تنذره بأن الجهاز غير مسجل في مصر.

إذا لم يتم دفع الرسوم المستحقة خلال هذه الفترة، سيتم قطع الخدمة عن الهاتف، في إجراء يُعد بمثابة عقاب مباشر للمواطنين الذين يجدون أنفسهم مجبرين على الخضوع لضرائب باهظة وغير مبررة، دون معالجة جذرية لمشكلة التهريب التي تعاني منها البلاد.

وعلى الرغم من أن الحكومة تتحدث عن إعفاءات محددة، حيث تدرس الجهات المختصة إمكانية منح استثناءات للأجهزة التي تزيد قيمتها عن 15 ألف جنيه، إلا أن هذه الاستثناءات لن تكون ذات فائدة كبيرة لغالبية المصريين المقيمين في الخارج.

فحتى هؤلاء قد يُسمح لهم باستيراد هاتف واحد كل عام أو عامين، في محاولة بائسة لتخفيف العبء عن كاهلهم، ولكن هذه المحاولات ليست إلا خطوة رمزية لا تغير من حقيقة الأمر شيئاً.

بالنسبة للسائحين وغير المقيمين، سيتمكنون من الاستفادة من فترة السماح المذكورة، ولكن في حال تغيير وضعهم إلى إقامة دائمة، سيخضعون لنفس القواعد الصارمة والرسوم المجحفة، ما يزيد من حدة التوتر بين الحكومة والمواطنين الذين يشعرون بأنهم يُستهدفون بشكل غير عادل.

هذه السياسة تتناقض تماماً مع الهدف المعلن المتمثل في تحفيز السياحة والاستثمار الأجنبي، حيث يشعر الوافدون بالقلق من هذه الإجراءات غير المتوقعة والتي تزيد من تعقيدات الحياة في مصر.

الحديث عن تهريب الهواتف المحمولة ليس جديداً، لكن الحكومة لا تزال تظهر عجزاً كبيراً في مواجهة هذه الظاهرة بطريقة فعّالة. تشير المصادر الرسمية إلى أن 99% من الهواتف العاملة في مصر غير مسجلة، ما يعني أن الحكومة تفشل في تتبع جزء كبير من السوق.

وبدلاً من تطوير آليات رقابة أكثر فعالية وضبط عمليات التهريب عبر الحدود، تلجأ السلطات إلى فرض رسوم جديدة تزيد من أعباء المواطنين، وتُظهر عدم القدرة على مواجهة المشكلة من جذورها.

وفقاً لتقديرات رسمية، تخسر مصر ما بين 5 و6 مليارات جنيه سنوياً نتيجة لعمليات تهريب الهواتف المحمولة. وعلى الرغم من هذه الخسائر الكبيرة، يبدو أن الحكومة تفضل تحميل المواطن العادي مسؤولية تعويض هذه الخسائر بدلاً من اتخاذ إجراءات فعالة ضد شبكات التهريب المنتشرة.

إن تقاعس الحكومة الواضح في هذا الصدد يثير تساؤلات حول مدى جدية السلطة في مكافحة الفساد وضبط عمليات التهريب، خاصة وأن الحلول التي تقترحها تبدو وكأنها تستهدف جيوب المواطنين مباشرة، دون أن تقدم أي حلول فعلية للمشكلة.

الأمر لم يتوقف عند ذلك. الحكومة تدعي أن هذه الرسوم تهدف إلى دعم الصناعة المحلية للهواتف المحمولة، وهو ادعاء يفتقد إلى الواقعية، خاصة أن واردات الهواتف المحمولة ارتفعت بنسبة 6.4% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وفي ظل هذا الارتفاع الكبير في الواردات، تواجه الشركات المحلية صعوبات متزايدة في التنافس مع الهواتف المستوردة، والتي غالباً ما تأتي إلى السوق بأسعار أقل نتيجة للتهريب وعدم دفع الرسوم الجمركية المفروضة.

الشكاوى التي تقدمها الشركات المحلية لم تلق آذاناً صاغية من الحكومة، التي بدلاً من اتخاذ إجراءات حقيقية لضبط السوق ومحاربة التهريب، تلجأ إلى أساليب تزيد من تعقيد حياة المواطنين وتضع المزيد من القيود على المصريين العاملين بالخارج.

هذه السياسات تكشف عن ضعف واضح في الأداء الحكومي وعدم وجود رؤية واضحة لحل المشكلات الاقتصادية التي تواجه البلاد.

يبدو أن الحكومة المصرية تختار دائماً الحل الأسهل وهو فرض الضرائب والرسوم على المواطنين العاديين، بدلاً من مواجهة المشكلة الحقيقية والمتمثلة في انتشار الفساد وعمليات التهريب الواسعة التي تكلف البلاد مليارات الجنيهات سنوياً.

هذه الإجراءات العقابية لا تزيد إلا من حالة الاحتقان بين المواطنين، الذين يشعرون بأنهم وحدهم يتحملون تبعات الفشل الحكومي في إدارة الأزمات.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى