على وقع موسيقى التتر المشهور لمسلسل “فارس بلا جواد” بطولة الفنان محمد صبحي؛ يسدل الستار على مسرحيته الجديدة التي تعد امتدادا لحكاية الجد حافظ نجيب أو “الثعلب” الذي قرر مقاومة المحتل والعصابات الصهيونية حين توغلت بعد النكبة في أرض فلسطين العربية واستباحت دماء الأبرياء وأرضهم.. وهكذا يكتب الجد المنهك من الهزائم وصيةً لأحفاده ويخبرهم بخبيئة تركها لهم عند شجر الزيتون!
مسرحية “فارس يكشف المستور” من تأليف وإخراج محمد صبحي، وشارك في كتابتها أيمن فتيحة، وهي تُعرض على مسرح صبحي بمدينة “سنبل” وتتناول في قالب كوميدي غنائي حال أحفاد “نجيب” مع المخطط الغربي لنشر الخراب ولتقسيم العرب لدويلات متناحرة غارقة في الديون، وكأن العرب لم يتعلموا من درس سقوط الأندلس التي دامت حضارتها ثماني قرون ذهبت أدراج الرياح.
تفتتح المسرحية من مشهد محطة قطار يتوافد عليها من كل حدب أبناء عائلة السدّاوي،
وهي العائلة التي عشنا معها معاناتها مع الاحتلال الإنجليزي والتركي في المسلسل، لكننا اليوم إزاء مشكلات العصر؛ فنرى الإعلامي “خيري” المتعطل عن العمل يلجأ لفيديوهات التريندات لإثبات وجوده و”التطبيل” لكل مسئول، أما زوجته – خريجة الفلسفة – فتعيش في قوقعة شعوريا كما يفعل المثقفون، وبينما نرى الموسيقي وزوجته لا يجدان من يقدر موهبتهما داخل الوطن،
يطل خريج الآثار بنكات تثير السخرية لكنها تذكر بشعوره الدائم بـ”سواد” القادم تماما كما نظارته! نلتفت أيضا لنجد السيدة المطلقة التي تعول ابنتها حين تخلى عنها الأب صاحب “الكباريه” وقد كان “دهب” بيه نموذجا لطبقة رجال أعمال صعدت سريعا بأعمال تغييب العقول والإسفاف، وكانت من أدوات العدو في المنطقة لإفساد الشباب.
ابنا عائلة السداوي باقون
وهكذا نرى أن أبناء عائلة السداوي تجمعهم الحاجة للمال والشعور بالذات داخل وطنهم، وقد جاءتهم جميعا رسالة تخبرهم بالحضور لبيت الجد للحصول على نصيبهم من تركته الثمينة.. يهرع الجميع لمحطة القطار التي تشبه مصر، ومنها نتحرك في ديكورات دافئة لبيت قديم يحمل صورة “حافظ نجيب” الذي أصبح رمزا للمقاومة.. لكن يبدأ لغز القصة حين يكتشف أفراد العائلة أن الكنز الثمين الذي تركه تحيطه شفرة لابد من حلها للحصول عليه.
يخبر العم “براقع” صديق الجد عن كتاب بروتوكولات يفك الشفرة للكنز، حيث أرض لا يموت فيها شيء، وهنا تفتق ذهن الجميع لشجر الزيتون المعمّرة في أرض نضال، فلا سبيل للكنز بدونها.
كانت “نضال” ابنة عم عائلة السداوي تبكي أرضها والتي سُرقت منها على يد عصابة “غازي” و”ميسون” – رمز أمريكا وإسرائيل- وهما شابان تجمعهما علاقة آثمة ويستوليان على أرض الفتاة التي تحمل مشاعر حنين تجاه أرضها، ولكنهما يسعيان بعد جريمتهم للهيمنة على باقي الأرض المكونة من 22 فدانا (عدد الدول العربية).
صبحي المثقف
يعود الحفيد “فارس” بطل المسرحية الفنان محمد صبحي، ورب المنزل، وزوجته “بهية” (مصر) وتجسد دورها الفنانة ميرنا المهندس، فتنصحه بقيادة الدفة بحكمة وعدم الالتفات للمظاهر، وفي الواقع كان بطل المسرحية يحمل شهادة علمية رفيعة،
ولكنه تعرض لمؤامرة أصحاب المصنع وهم من أولاد العم سام لتسريحه بعد أن عرف محاولاتهم التدميرية، فأصبح مفلسا يستجدي العون، وقد ظل صبحي يرمز لهم بـ”دول” و”دول همّا” وراح يعدد تخريب هؤلاء في عالمنا ونشر الإباحية والشذوذ والتفاهة، ومحاولة تنشئة الشباب الجديد على قيم تزدري الدين والتاريخ والفطرة السليمة، وهنا يسهل استباحة أرضهم وتفريقهم. (يبدو صبحي هنا كمثقف يستشعر خطر المخطط الغرب صهيوني ويسترسل في طيات دوره لشرح معالمه).
يقبل “فارس” الاستدانة من “سند” ممثل البنوك الدولية، ويكون مصير العائلة على وشك النهاية بالفعل، خاصة بعد اكتشاف صلة الدائن بالقوى الكبرى وشرائهم في الباطن أرض العائلة، وهنا يقرر “فارس” أن يعدل الكفة، ويواجه الأباطرة في البيت الملوّن بعلمهم الأبيض والأزرق، ويتقنّع في كل مرة بقناع جديد،
وكلما ابتلعوا الطعم ظهرت حقيقته، تماما كما فعل جده مع الاستعمار التركي والإنجليزي.
مع اقتراب ضياع الأرض، يجتمع أبناء العائلة ويهبّون للتصدي، لا يأبه أي منهم لتلك المرأة المتعجرفة اللعوب التي يديرها الرجل الأبيض، ويقررون فضح المتورطين معهم في خيانة أوطانهم، فيما يقوم الأطفال بدور بطولي في فك الشفرة من خلال الكتاب الذي يحملونه.
رسائل مُشفّرة
تحمل المسرحية رمزية مسلسل “فارس بلا جواد” وهو مقاومة المحتل، وعقيدة استرداد الأرض، والدفاع عن القدس الشريف، ووحدة الأمة العربية أمام مخطط “فرق تسد”، وهو خط أجاد “صبحي” حياكته من قصة قديمة للصحفي “حافظ نجيب”،
والذي أقسم على الانتقام ممن ظلموا والده، وبغض النظر عن كل ما قيل عن مذكراته وشخصيته التي جمعت متناقضات كثيرة، تبقى العبرة في رمزية مقاومة الترك والإنجليز..
تثمّن المسرحية اليقظة المصرية والعربية لخطورة تصفية القضية الفلسطينية بترحيل أصحاب الأرض، وهو ما كانت “ميسون” تريده تماما في المسرحية، تمهيدا للشرق الأوسط الكبير؛ حيث تذوب الأديان والأوطان وتبقى لها السيادة كوريثة لاستعمار الرجل الأبيض القديم.
فنيا، استطاعت المسرحية توظيف التقنيات الحديثة التي تزاوج شاشات العرض للمواد الوثائقية الفيلمية وتلك التي يتم تجسيدها عبر فرقته المسرحية من شباب المبدعين على خشبة المسرح.. وقد دوت عاصفة من التصفيق والدموع مع مشاهد العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة والذي يخلف عشرات الآلاف من الشهداء الأبرياء والنازحين، وهنا ترفع المسرحية شعار دنقل القديم “لا تصالح” وترفض التعمية باسم المفاوضات وحل “العائلتين” (الدولتين) طيلة 70 عاما لم يهنأ فيها الفلسطينيون يوما.
ثمة رسالة أهم يقدمها “صبحي” وهي أن الكنز الحقيقي ليس في المال والذهب، ولكن في دفء العائلات والبيوت وأواصرهم القوية، وعلى مستوى أعم في تماسك واصطفاف الأخوة العرب أصحاب المصير المشترك.
يكشف فارس المستور من المؤامرة الكبرى، ولكنه يدرك كيف يواجهها ويعد الجيل المقبل للحصول على الكنز عند شجرة الزيتون المباركة بعد تطهير الأرض ممن دنسها.