في إطار الحملة القوية التي أطلقتها الهيئة العامة للاستعلامات لدعم المبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان”، والتي تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي ودعم الفئات الأكثر احتياجًا، يقوم قطاع الإعلام الداخلي بتنظيم سلسلة من اللقاءات الجماهيرية على مستوى الجمهورية، والتي تتواصل حتى نهاية نوفمبر 2024، مستهدفة شتى جوانب التوعية الاجتماعية والتنموية.
وقد تم تنفيذ هذا اللقاء في العديد من المناطق المختلفة، من خلال مراكز الإعلام المنتشرة في جميع أرجاء مصر.
وفي هذا السياق، وتحت قيادة الدكتور أحمد يحيى، رئيس قطاع الإعلام الداخلي، عقد مركز إعلام إمبابة يوم الثلاثاء الموافق 26 نوفمبر 2024، ندوة هامة بعنوان “مناهضة العنف ضد المرأة”، وذلك في معهد خدمة اجتماعية بمدينة الثقافة والعلوم في مدينة أكتوبر.
هذه الندوة لم تكن مجرد لقاء توعوي عادي، بل كانت بمثابة منصة لمناقشة قضية مجتمعية شديدة الأهمية، قضية تعني كل فرد في هذا الوطن، حيث يُعتبر العنف ضد المرأة من أخطر الظواهر التي تهدد استقرار المجتمعات، وتحول دون تحقيق التنمية المستدامة.
وافتتحت الندوة بكلمة للأستاذة ميرفت البطاوي، مدير مركز إعلام إمبابة، والتي تحدثت فيها عن الدور المحوري الذي تلعبه الهيئة العامة للاستعلامات في نشر الوعي وتعريف المجتمع بمختلف القضايا الاجتماعية التي تؤثر في حياة الفرد والمجتمع.
وأكدت على أن هذه الندوة تأتى ضمن سلسلة من اللقاءات التي تهدف إلى التأثير الفاعل على تغيير السلوكيات والمفاهيم المجتمعية المغلوطة، التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة، مشيرة إلى ضرورة تكاتف جميع أطياف المجتمع للتصدي لهذه الظاهرة والعمل على نشر ثقافة الاحترام والمساواة بين الجنسين.
ثم أخذت الكلمة الدكتورة زينب الباهي، عميدة المعهد، التي أكدت أن العنف ضد المرأة يمثل تهديدًا مباشرًا للإنسانية، وأن المجتمع يجب أن يتحمل مسؤوليته في محاربة هذه الظاهرة بكل الوسائل المتاحة.
وقدمت الدكتورة زينب في محاضرتها عدة محاور أساسية تمحورت حول تعريف العنف ضد المرأة وأشكاله المتعددة، بالإضافة إلى مناقشة الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، والآثار السلبية التي تنجم عنها، سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي، كما تناولت سبل الحد من العنف ضد المرأة والآليات القانونية والمجتمعية التي يمكن أن تساعد في هذا الصدد.
تعريف العنف ضد المرأة وأشكاله المتعددة
أوضحت الدكتورة زينب الباهي في بداية حديثها أن العنف ضد المرأة ليس مجرد اعتداء جسدي، بل هو ظاهرة تتعدد أشكالها وتتنوع. فالعنف يشمل الضرب والإيذاء الجسدي، وكذلك التهديدات النفسية والاقتصادية، والابتزاز، والتحرش، والتمييز في أماكن العمل والتعليم.
وأضافت أن العنف ضد المرأة لا يقتصر على أحد أنواع العنف فقط، بل يتداخل ويتشابك بين عدة صور، ما يجعل التعامل معه أمرًا في غاية التعقيد. وهو أمر يتطلب تضافر الجهود من مختلف الجهات المعنية لضمان القضاء عليه.
أسباب العنف ضد المرأة
كما تناولت الباهي الأسباب التي تساهم في تفشي العنف ضد المرأة، والتي تختلف من حالة لأخرى. لكن يمكن تصنيفها إلى أسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية. على سبيل المثال، ثقافة المجتمع التي ترى المرأة ككائن ضعيف يجب أن يخضع لإرادة الرجل، أو تلك المفاهيم المغلوطة عن “شرف” المرأة، التي تتسبب في إشعال نيران العنف ضدها.
ومن الأسباب الأخرى، الوضع الاقتصادي المتردي الذي قد يدفع بعض الأفراد إلى ممارسة العنف بسبب الضغوط الاقتصادية. وكذلك التربية غير السليمة في بعض الأسر، التي تروج للعنف كوسيلة لحل النزاعات. كما أن الفقر والجهل يلعبان دورًا كبيرًا في استمرار هذه الظاهرة.
الآثار المدمرة للعنف ضد المرأة
أكدت الباهي على أن العنف ضد المرأة لا يقتصر على الأضرار الجسدية والنفسية المباشرة فقط، بل يترك آثارًا طويلة المدى قد تظل ملازمة للمرأة طوال حياتها. فالعنف يمكن أن يتسبب في حدوث صدمات نفسية شديدة، مثل الاكتئاب، والقلق، وفقدان الثقة بالنفس، وقد يصل الأمر إلى الانتحار في بعض الحالات. كما أن آثار العنف تمتد إلى التأثيرات الاجتماعية السلبية، مثل العزلة الاجتماعية، وفقدان القدرة على أداء المهام اليومية، وضعف العلاقة مع أفراد الأسرة والمجتمع. إضافة إلى ذلك، يكون لها تأثيرات اقتصادية، حيث يصعب على المرأة المعنفة الحفاظ على عملها أو تعليمها بسبب تعرضها للعنف بشكل متكرر.
آليات الحد من العنف ضد المرأة
وفي سياق حلول هذه المشكلة، تحدثت الباهي عن عدة آليات يمكن من خلالها الحد من العنف ضد المرأة. وأوضحت أن الأمر لا يتعلق فقط بتشديد العقوبات على الجناة، بل يجب أن يترافق ذلك مع حملات توعوية مكثفة لتعريف المجتمع بخطورة هذه الظاهرة وكيفية الوقاية منها. وأكدت على أهمية دعم النساء المتعرضات للعنف من خلال إنشاء مراكز للإيواء والرعاية النفسية، بالإضافة إلى تفعيل دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في نشر ثقافة الاحترام والمساواة. كما أشارت إلى ضرورة تفعيل دور المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لتوفير بيئة آمنة للنساء في مختلف المجالات.
دور الدولة في مكافحة العنف ضد المرأة
وتناولت الباهي كذلك دور الدولة في مكافحة العنف ضد المرأة، مشيرة إلى أن الدولة المصرية قد بذلت جهودًا حثيثة في هذا المجال، من خلال سن تشريعات تجرم العنف ضد المرأة، مثل قانون مكافحة التحرش، وقانون تنظيم عمل مراكز الإيواء، كما تم إنشاء العديد من المبادرات الوطنية، مثل “مبادرة كلنا معاك”، التي تهدف إلى تقديم الدعم للنساء ضحايا العنف. وأكدت أن الحكومة المصرية تعمل جاهدًا على توفير كل السبل القانونية والاجتماعية اللازمة لدعم المرأة وحمايتها من أي نوع من العنف.
أهمية نشر الوعي وتغيير ثقافة المجتمع
وفي ختام الندوة، شددت الدكتورة زينب على أن تغيير الواقع المأساوي الذي تعيشه بعض النساء في المجتمع يتطلب تغييرًا جذريًا في الثقافة المجتمعية. وأشارت إلى ضرورة نشر الوعي من خلال التعليم والإعلام لتغيير المفاهيم الخاطئة التي تؤدي إلى تبرير العنف ضد النساء. ولفتت إلى أن دور المجتمع المدني في مساعدة الضحايا وتوجيههن نحو الجهات القانونية التي يمكن أن تساعدهن في الحصول على حقوقهن هو أمر حاسم في الحد من هذه الظاهرة.
ختام الندوة
وقد أدار اللقاء بشكل ممتاز الأستاذة ميرفت البطاوي، مدير مركز إعلام إمبابة، تحت إشراف الدكتورة منال الغنام، مدير عام إعلام الجيزة،
حيث أشاد الحضور بالتنظيم الجيد للمحاضرة وثراء المحتوى المقدم. كما عبروا عن تقديرهم للجهود الكبيرة التي تبذلها الهيئة العامة للاستعلامات في نشر الوعي حول قضايا العنف ضد المرأة وأهمية التصدي لها.
أكد الجميع على ضرورة مواصلة العمل الجماعي لمحاربة هذه الظاهرة وتوفير بيئة آمنة وصحية للمرأة المصرية، التي تعد الركيزة الأساسية للمجتمع ولأي عملية تنموية مستدامة.