تقاريرمحافظات

صناعة الجريد في صعيد مصر تواجه تحديات كبيرة بسبب غياب الدعم الحكومي الفعال

تعتبر صناعة الجريد في صعيد مصر، وخاصة في محافظة أسيوط، من أقدم الحرف اليدوية التي حافظت على وجودها عبر الأجيال، تعبيراً عن تراث ثقافي طويل وعريق.

ورغم قدمها وأهميتها الثقافية، فإن هذه الحرفة تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة تهدد بزوالها، في ظل إهمال واضح من جانب الحكومة وغياب أي دعم حقيقي للحرفيين الذين يحاولون بشق الأنفس الحفاظ على هذه الصناعة من الانقراض.

صناعة الجريد تعتمد بشكل رئيسي على أشجار النخيل المنتشرة في القرى الريفية، حيث يقوم الحرفيون باستخدام جريد النخيل في صناعة منتجات متنوعة، من بينها الأسرة، الطاولات، الكراسي، الأقفاص، وأدوات أخرى منزلية وزراعية.

هذه المنتجات كانت ولا تزال جزءًا لا يتجزأ من حياة سكان القرى، فهي معروفة بمتانتها وجودتها العالية، لكنها اليوم مهددة بفعل عدة عوامل أبرزها غلاء أسعار المواد الخام وغياب الدعم الحكومي اللازم.

أحد أبرز الحرفيين في هذا المجال يتحدث عن الصعوبات التي تواجههم يوميًا، حيث يروي كيف ورث هذه المهنة عن أجداده الذين مارسوا هذه الحرفة لعقود طويلة.

الحرفيون يعتمدون على أدوات بسيطة في عملهم ويحولون جريد النخيل إلى منتجات يومية عالية الجودة، ولكنهم الآن يواجهون ارتفاعًا شديدًا في أسعار المواد الخام، فقد ارتفعت تكلفة شراء جريد النخيل إلى 1700 جنيه بعد أن كانت معقولة في السابق.

هذا الارتفاع الحاد يجعل من الصعب على الحرفيين مواصلة عملهم، ويزيد من الضغوط الاقتصادية عليهم، في ظل غياب أي تدخل حكومي لحل هذه المشكلة.

إلى جانب ذلك، يشير الحرفيون إلى مشكلة أكبر تتمثل في انتشار المنتجات البلاستيكية الرخيصة التي اجتاحت الأسواق وأصبحت تنافس المنتجات المصنوعة من الجريد بشكل غير عادل.

هذه المنتجات، رغم أنها أقل جودة وتفتقر إلى المتانة التي توفرها منتجات الجريد، إلا أن أسعارها المنخفضة تجعلها الخيار الأكثر جاذبية للعديد من المستهلكين، مما يقلل الطلب على المنتجات التقليدية. وفي ظل هذا التنافس غير العادل، يواجه الحرفيون صعوبة في تسويق منتجاتهم والحفاظ على مصادر رزقهم.

ورغم كل هذه التحديات، يظل هناك جزء من المجتمع يقدر قيمة المنتجات التقليدية المصنوعة من الجريد ويدرك مدى جودتها، لكن ذلك لا يكفي للحفاظ على هذه الصناعة حية. فالحرفيون يحتاجون إلى دعم حكومي حقيقي يخفف من الأعباء التي تثقل كاهلهم.

الحكومة مطالبة بتقديم تسهيلات ملموسة تساعد في تخفيض تكاليف الإنتاج، مثل توفير المواد الخام بأسعار معقولة، وإطلاق حملات لدعم وتسويق المنتجات اليدوية المحلية، لكن للأسف، لا توجد أي خطوات جادة من الحكومة لحماية هذه الحرفة التراثية.

الفساد والتجاهل الحكومي يزيدان الوضع تعقيدًا. فلا توجد سياسات حكومية فعالة تهدف إلى دعم الصناعات اليدوية التقليدية، ولا توجد أي خطط لتقديم دورات تدريبية أو برامج لتطوير مهارات الحرفيين.

هذه الحرفة التي تمثل جزءًا من الهوية الثقافية لمصر مهددة بالفناء بسبب الإهمال، حيث إن الحرفيين الذين يعملون بأدواتهم البسيطة وابتكارهم وإبداعهم يتركون وحدهم لمواجهة تحديات اقتصادية شرسة.

ويروي أحد الحرفيين الشبان كيف تعلم هذه المهنة من والده وجده، مؤكدًا أن هذه الحرفة ليست مجرد وسيلة لكسب العيش، بل هي جزء من ثقافة وهوية المنطقة التي نشأ فيها.

إلا أنه يشير إلى أن البقاء في هذه المهنة بات أمرًا صعبًا للغاية، في ظل الضغوط المستمرة التي يواجهونها بسبب غلاء المواد الخام والمنافسة الشرسة مع المنتجات البلاستيكية. هو وغيره من الحرفيين يشعرون بأنهم يقاتلون في معركة غير متكافئة، حيث يجدون أنفسهم أمام سوق يغمره المنتجات الرخيصة والدعم الحكومي غائب تمامًا.

ومع كل هذا التجاهل، بات من الواضح أن صناعة الجريد في صعيد مصر أصبحت في خطر داهم. مستقبل هذه الحرفة يظل غامضًا إن لم تتحرك الحكومة لتقديم الدعم اللازم. الحرفيون يحتاجون إلى سياسات حكومية تدعمهم في مواجهة غلاء الأسعار وتوفر لهم الفرص لتسويق منتجاتهم.

على الحكومة أن تدرك أن هذه الحرف اليدوية التراثية ليست مجرد مصدر دخل للحرفيين، بل هي جزء من التاريخ والهوية الثقافية لمصر.

صناعة الجريد ليست مجرد حرفة تقليدية، بل تمثل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي لصعيد مصر. ومع غياب الدعم الحكومي، بات من المحتمل أن تفقد البلاد هذا التراث الثمين إلى الأبد.

من الضروري أن تتدخل الحكومة بشكل عاجل لإنقاذ هذه الصناعة من الانهيار، من خلال تقديم دعم حقيقي للحرفيين، وتخفيض تكاليف المواد الخام، وإعادة النظر في السياسات التي تهدف إلى حماية التراث الثقافي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى