مراكز الشباب التي تعتبر من أهم المؤسسات التي تهدف إلى بناء وتطوير مهارات الشباب في المجتمع المصري تشهد حالة من التدهور والإهمال في ظل غياب تام للرقابة والمتابعة من قبل الحكومة، مما يعكس تقاعساً مفضوحاً في الاهتمام بقطاع حيوي يساهم بشكل رئيسي في التنمية الاجتماعية والرياضية.
ورغم وعود المسؤولين المتكررة بالإصلاح والتطوير، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماماً، حيث تزايدت المشكلات في معظم هذه المراكز التي تحولت إلى أماكن مهجورة تفتقر إلى أبسط المقومات اللازمة لتطوير الشباب.
الأزمة التي يعاني منها قطاع مراكز الشباب ليست مجرد نقص في الإمكانيات أو ضعف في التمويل بل هي مشكلة هيكلية عميقة تتعلق بالتخطيط الإداري والفني لهذه المراكز على مستوى الجمهورية. مراكز الشباب أصبحت تحظى باهتمام ضئيل جداً من قبل الحكومة، التي غابت عنها أولويات المواطن المصري واحتياجاته الأساسية، في وقت أصبحت فيه مراكز الشباب تعاني من تدهور شديد في جميع جوانبها، من الملاعب والأنشطة الثقافية إلى نقص حاد في الموظفين المؤهلين والاختصاصيين الرياضيين. هذه الحالة من الإهمال التام أثرت بشكل مباشر على الشباب الذين أصبحوا لا يجدون في هذه المراكز أي متنفس لهم في ظل شح الفرص المتاحة أمامهم.
في محافظة المنوفية، يعاني شباب العديد من القرى والمدن من نقص حاد في المرافق الأساسية، مما يؤدي إلى تراجع الأنشطة المقدمة. على سبيل المثال، العديد من المراكز تفتقر إلى الملاعب الرياضية الكافية أو صيانة المنشآت الرياضية القائمة، مما يجعلها غير صالحة للاستخدام، وهو ما يعكس واقعاً مؤلماً في ظل انتشار الفوضى والروتين الإداري الذي يعيق كل محاولات الإصلاح.
في قرية تتا وغمرين، يكاد يكون الحديث عن مراكز الشباب ضرباً من الخيال. فقد تحول ملعب كرة القدم إلى ساحة مليئة بالحجارة والأحجار الصغيرة التي تؤذي اللاعبين. بينما يبقى حلم شباب القرية في بناء ملعب كرة قدم ملائم يشبه سراباً يختفي مع كل وعد جديد من المسؤولين، والذين غالباً ما يقدمون وعوداً سرعان ما يتبخر أثرها بمجرد الانتهاء من المؤتمر الصحفي أو اللقاء الإعلامي. ليس هذا فحسب، بل إن مركز شباب مدينة منوف يعاني من تدهور شامل في المنشآت الرياضية، فالملعب غير صالح للعب كرة القدم والمدرجات آيلة للسقوط، ناهيك عن غياب دورات المياه والبنية التحتية اللازمة.
في قرية مناوهلة، يستمر مسلسل الإهمال حيث لا يزال الملعب الوحيد الذي يملكه مركز الشباب لا يتجاوز عرض شريط القطار الضيق، وهو ما دفع العديد من الشباب إلى عزوف عن ممارسة الرياضة بسبب عدم صلاحية المكان. ورغم تقدم العديد من المقترحات لحل هذه المشكلة، إلا أن الحكومة تواصل تجاهل مطالب المواطنين بحلول جذرية لتوسيع وتحسين الملاعب. ورغم تقديم مقترحات من قبل أعضاء البرلمان لزيادة مساحة الملعب من خلال التفاوض مع أحد المزارعين المجاورين، إلا أن هذه المقترحات لا تجد أذناً صاغية، حيث يتعامل المسؤولون مع هذا الأمر وكأنها مجرد قضية روتينية يمكن تأجيلها لوقت لاحق.
وفي نجع حمادي، لا يختلف الوضع كثيراً عن باقي الأماكن. فقد تحول الحلم ببناء استاد رياضي إلى كابوس، حيث كان من المفترض أن يكون هذا الاستاد متنفساً لشباب المدينة والمناطق المجاورة. ومع مرور السنوات، أصبح مكان الاستاد عبارة عن مقلب قمامة ومأوى للكلاب الضالة، بدلاً من أن يكون مركزاً رياضياً يخدم الشباب ويمنحهم فرصاً لتنمية مهاراتهم الرياضية والاجتماعية. ووسط هذه الفوضى، لا يزال الشباب يعانون من نقص الأماكن المخصصة لممارسة الرياضة، بينما تلجأ العديد من الأسر إلى الأندية الخاصة، التي أصبحت مكاناً لاستثمار الأموال بدلاً من تقديم خدمة عامة.
أما في محافظة الغربية، فإن المأساة تتكرر بمرارة أكبر، حيث تعاني أكثر من 200 مركز شباب من التدهور الشديد. فهذه المراكز التي من المفترض أن تكون منارات تنموية ثقافية ورياضية لشباب المناطق المختلفة، تحولت إلى مراكز أشباح لا تقدم أي خدمات تذكر. المشكلة الكبرى هي أن هذه المراكز تفتقر إلى أدنى مستويات الدعم من قبل وزارة الشباب والرياضة، وفي العديد من الحالات لا يوجد بها حتى ملعب أو مرافق رياضية لتأهيل الشباب بدنياً. بينما في بعض القرى، يضطر الشباب للذهاب إلى المقاهي والكافيهات التي أصبحت بدائل لمراكز الشباب التي كانت في يوم من الأيام تمثل أماكن آمنة ومفيدة لتفريغ طاقات الشباب.
وفي الدقهلية، الصورة لا تختلف كثيراً، إذ تعاني مراكز الشباب هناك من إغلاق القاعات وتعطل الأنشطة، بل إن العديد من المراكز تحولت إلى خرابات بفضل الإهمال المتواصل من الحكومة. الشباب الذي كان من المفترض أن يستفيد من هذه المراكز لا يجد أمامه سوى الجدران المغلقة والمرافق المتردية، حيث تفتقر معظم المراكز إلى الحد الأدنى من تجهيزات العمل، سواء في الملاعب أو القاعات أو حتى المرافق الصحية.
إن الفساد والإهمال الذي يعاني منه قطاع مراكز الشباب في مصر يعد جريمة بحق شباب الوطن. فبينما تزداد الضغوط الاقتصادية على الشباب في مختلف المناطق، فإنهم يجدون أنفسهم أمام واقع مؤلم من المرافق المتدهورة التي لا تفي بأبسط احتياجاتهم. في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن تكون هذه المراكز ملاذاً لهم لتنمية مهاراتهم الرياضية والاجتماعية، يتحول الكثير منها إلى أماكن مهجورة أو ملاذات للمتاجرين بالفراغ. إن معالجة هذه الأزمة تتطلب تغييراً جذرياً في إدارة مراكز الشباب وتوفير الموارد اللازمة لدعمها، فالمستقبل الرياضي والاجتماعي لشباب مصر على المحك.