في تطور دراماتيكي ومستمر على مدار الأسابيع الماضية، سجل سعر الدولار ارتفاعًا متسارعًا أمام الجنيه المصري، ملامسًا حاجز الـ 50 جنيهًا لأول مرة منذ تحرير سعر الصرف في 6 مارس 2023، وهو ما يعكس بصورة جلية حالة التخبط الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد ويزيد من معاناة المواطن المصري.
هذا الارتفاع لم يكن نتيجة لعوامل خارجية أو قوى اقتصادية عالمية فحسب، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات الحكومة المصرية المتخاذلة، وإدارتها الفاشلة في التعامل مع أزمات العملة واحتياطات النقد الأجنبي.
ارتفاع الدولار: الأسباب الحقيقية وراء الأزمة
أرجع عدد من المصرفيين ارتفاع سعر الدولار إلى عدة عوامل تمثلت في اتخاذ البنوك والشركات والأفراد ذوي الملاءة المالية قرارات استراتيجية بإغلاق مراكزهم المالية في أدوات الدين الحكومية التي تروج لها الحكومة، وهو ما خلق ضغطًا متزايدًا على السوق المحلي.
هذا الضغط كان واضحًا في التعاملات المالية على مدار الأسابيع الأخيرة، حيث سارع المستثمرون إلى تحويل مدخراتهم إلى الدولار، خشية من تقلبات سعر الجنيه. كما أكدوا أن السبب الثاني الرئيس لهذا الارتفاع هو حاجة السوق لتوفير كميات أكبر من النقد الأجنبي لتلبية طلبات الاعتمادات المستندية، خاصة فيما يتعلق باستيراد السلع الأساسية قبيل إجازة رأس السنة الصينية.
التوقعات المستقبلية: استمرار الهبوط على الرغم من وعود الحكومة
في الوقت الذي يتصاعد فيه سعر الدولار، تتوقع معظم التحليلات الاقتصادية أن يظل الدولار عند مستوياته الحالية، أو ربما يرتفع أكثر، إلا أن الخبراء المصرفيين يتوقعون أن يستقر سعر الدولار دون مستوى الـ 50 جنيهًا بنهاية عام 2024، في ظل معطيات اقتصادية معينة تتعلق بموافقة صندوق النقد الدولي على صرف شريحة جديدة من القرض المصري، التي تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار.
الخبراء يعتقدون أن هذه الشريحة قد تشكل حلًا مؤقتًا يساهم في تخفيف الأعباء على الاقتصاد المصري لفترة محدودة. ولكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو هل ستظل الحكومة المصرية عاجزة عن إدارة الأزمة المالية بشكل جذري، أم أن هذا الدعم سيكون مثل سابقيه مجرد مسكن لأزمة مستمرة؟
زيارة بعثة صندوق النقد الدولي: أمل مفقود في الحلول الجذرية
زار وفد من بعثة صندوق النقد الدولي مصر خلال الأسبوعين الماضيين في إطار المشاورات بشأن المراجعة الرابعة من القرض الذي تقدمت به الحكومة المصرية للمؤسسة المالية العالمية. القرض الذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار، والذى كان من المفترض أن يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي المتدهور للبلاد، يعكس بشكل آخر حجم الضغوط التي تواجهها الحكومة المصرية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن صرف الشريحة الجديدة من القرض، التي تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار، قد يتم خلال الأيام القليلة المقبلة إذا تم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة المصرية حول تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية. في الوقت ذاته، تظل الشكوك قائمة حول فاعلية هذه الشريحة في إصلاح الأوضاع الاقتصادية التي لا تزال في تدهور مستمر، وهو ما يعكس عجز الحكومة عن تحقيق الاستقرار المالي.
الحكومة المصرية في مرمى الاتهام: الفساد والتقاعس في مواجهة الأزمة
لن يكون من المجدي في هذه الأوقات أن نتجاهل حقيقة أن الحكومة المصرية تتحمل جزءًا كبيرًا من مسؤولية هذا الانهيار المستمر للعملة الوطنية. فالتقاعس الحكومي في اتخاذ قرارات حاسمة للتعامل مع أزمة سعر الصرف يبرز بوضوح. الشواهد كثيرة على أن الحكومة تتعامل مع الأزمات الاقتصادية بعقلية ترقيعية، إذ لا تزال تركز على مسكنات آنية بدلاً من اتخاذ خطوات جذرية للحد من الفساد الداخلي وإعادة بناء الثقة في الاقتصاد المصري.
التوجهات الاقتصادية الحالية تفتقر إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى، مع استمرار الاعتماد على القروض الخارجية بدلاً من تنمية الموارد الذاتية للدولة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الفساد في مؤسسات الدولة والتلاعب في الأموال العامة يفاقم الأزمة الاقتصادية، ويزيد من ضغوط المواطنين المصريين الذين يعانون من التضخم والبطالة والفقر. أما الحديث عن مشروعات عملاقة مثل “العاصمة الإدارية الجديدة”، فإنه يعكس أولويات الحكومة الخاطئة في ظل الفشل المتكرر في تلبية احتياجات المواطن البسيط.
الختام: مصر تحت وطأة الفشل الحكومي والفساد المستشري
إن ما يحدث اليوم في مصر من ارتفاع متسارع لسعر الدولار أمام الجنيه هو انعكاس لما يعانيه الاقتصاد المصري من فشل شامل في السياسات الاقتصادية. الحكومة المصرية لم تقتصر على التقاعس في معالجة الأزمة المالية، بل أظهرت عدم القدرة على اتخاذ خطوات حاسمة ضد الفساد المستشري داخل مؤسساتها. وفي ظل غياب الإصلاحات الجادة والشجاعة، لا يبدو أن هناك أفقًا قريبًا للخروج من هذه الحلقة المفرغة التي تزداد تعقيدًا يوما بعد يوم. على الرغم من كل الوعود والاتفاقات مع المؤسسات الدولية، فإن الواقع يثبت أن الحكومة المصرية لم تتعلم من أخطائها المتكررة، بل استمرت في تعميق الأزمة بدلًا من معالجتها.