إهدار 88 ألف جنيه في قوافل سوهاج وفساد الهيئة العامة لقصور الثقافة متواصل
في خطوة تجسد الإهدار الفادح للمال العام وتكشف تقاعس وزارة الثقافة، ومع تفاقم مظاهر الفساد في الهيئة العامة لقصور الثقافة، انطلقت القافلة الثقافية للمسرح المتنقل بقرية أولاد سلامة بمركز المنشاة في محافظة سوهاج، تحت إشراف ضياء الدين مكاوي القائم بأعمال رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي.
التكاليف بلغت 88 ألف وخمسين جنيهًا على مدار ثلاثة أيام فقط، وسط تناقض صارخ بين ما يتم إنفاقه في سوهاج وما يُنفذ في أماكن أخرى مثل أسيوط، حيث تم إقامة حفل مماثل بتكلفة زهيدة لم تتجاوز 1500 جنيه.
هذه القوافل التي أُعلن عن تنظيمها على مدار ثلاثة أيام من الأربعاء 13 نوفمبر إلى الجمعة 15 نوفمبر، أثارت الكثير من التساؤلات حول كيفية تخصيص هذه الأموال وضخامة التكاليف مقارنة بالعائد الثقافي الهزيل.
من الجدير بالذكر أن هذه الأموال صُرفت على فعاليات متواضعة دون أن تترك أثرًا ملموسًا لدى المجتمع المحلي، حيث لا تزال العديد من الفئات المهمشة في سوهاج تعاني من غياب الأنشطة الثقافية الفعالة.
اليوم الأول: فعاليات شكلية بلا قيمة حقيقية
بدأت القافلة الثقافية فعالياتها يوم الأربعاء 13 نوفمبر بتقديم الحفل من قبل أوفي عبد الله الأنور وصبري ضاحي، وافتتاح الفعاليات بالسلام الوطني ثم تلاوة للقرآن الكريم بصوت عبد الرحمن، تلاها أمسية شعرية ألقاها كل من الشعراء محمد محمدين محمد وأحمد محمد السيد هريدي.
ورغم الأهمية الرمزية لهذه الفعاليات، إلا أن الحضور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كان محدودًا جدًا، حيث بلغ عدد المستفيدين من هذه الفعاليات ما لا يزيد عن 2500 شخص فقط.
وعلى الرغم من تنوع الفقرات التي شملت ورش الحكي للأطفال بإشراف عصام عبد الجابر أحمد، وورش الرسم التي قدمتها مي البدري السيد، وورش الأشغال اليدوية التي نفذتها سامية راضي هلهل، إلا أن هذه الفقرات لم تستطع تحقيق التأثير المنشود في مجتمع القرية.
كان هناك أيضًا عرض فني لفرقة سوهاج للإنشاد الديني، بالإضافة إلى فقرة المواهب التي شارك فيها كل من محمود عايد، الحسيني أيمن، عبد الله النوبي، ديفيد أيمن، مينا أشرف، تحت إشراف مصطفى عباس وفاطمة الزهراء محمد.
على الرغم من تكثيف هذه الأنشطة، بدا من الواضح أن هناك فجوة هائلة بين الأموال المخصصة لهذه الفعاليات والمستوى الحقيقي للخدمات المقدمة، حيث لم ترقَ الأنشطة إلى ما يتوقعه الجمهور المحلي من تنمية ثقافية أو تعليمية.
اليوم الثاني: إهدار مالي مستمر
في اليوم الثاني من القافلة الثقافية، الخميس 14 نوفمبر، تكررت الفعاليات بنفس النمط السابق، حيث استهل الحفل بالسلام الوطني وتلاه تلاوة للقرآن الكريم بصوت أحمد صبري أحمد.
أقيمت أمسية شعرية جديدة شارك فيها الشعراء محمد فاروق محمد، جيهان قدري كامل، محمد أحمد السيد، عبد الحافظ بخيت، وعبد النبي حسين. كما تم تقديم محاضرة ثقافية عن التحول الرقمي ألقتها الدكتورة فاطمة جلال مدير مركز المعلومات بالمحافظة.
استمرت الورش المخصصة للأطفال، حيث قام عصام عبد الجابر أحمد بتنفيذ ورشة الحكي للأطفال، ومي البدري السيد بورشة الرسم، وسامية راضي هلهل بمواصلة تقديم ورشة الأشغال اليدوية.
رغم تكرار الفعاليات وتنوع الفقرات، إلا أن الإقبال لم يكن كبيرًا، حيث بلغ عدد المستفيدين في هذا اليوم حوالي 2000 شخص فقط، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الأنشطة وجدواها في تحقيق التنمية الثقافية المرجوة.
كما شهد اليوم الثاني عرضًا فنيًا لفرقة سوهاج للآلات الشعبية وفقرة اكتشاف مواهب في الإنشاد الديني شارك فيها مجموعة من الأطفال، أبرزهم رضوان أشرف رضوان، ندا إبراهيم عيسى، عمرو يسري سعيد، عز الدين محمود أحمد، محمد عصام أحمد، مريم محمد نجيب، وحمدي إبراهيم عيسى.
وكما في اليوم السابق، تم توزيع شهادات تقدير للمواهب تحت إشراف مصطفى عباس وفاطمة الزهراء محمد، ولكن مرة أخرى، كان الإقبال والتفاعل دون المستوى المتوقع.
اليوم الثالث: ختام متواضع وفشل تراكمي
اختُتمت القافلة يوم الجمعة 15 نوفمبر، وبدأت الفعاليات بالسلام الوطني ثم تلاوة للقرآن الكريم بصوت الطفلة جودي حسن من أشبال قصر ثقافة طهطا.
أُقيمت أمسية شعرية شارك فيها الشعراء أحمد عبد الحليم الليثي، محمد أحمد محمد سالمان عبيد، ومحمد عمر أحمد إبراهيم، بالإضافة إلى محاضرة ثقافية عن التحول الأخضر قدمها الدكتور أحمد عبد الحكم أستاذ كلية العلوم.
استمرت نفس الأنشطة التي قُدمت في اليومين السابقين، حيث أدار عصام عبد الجابر أحمد ورشة الحكي للأطفال، ومي البدري السيد ورشة الرسم، وسامية راضي هلهل ورشة الأشغال اليدوية.
كما تم تقديم عرض فني لليلة المحمدية من قِبل أشبال نادي أدب قصر ثقافة طهطا. بلغ عدد المستفيدين في هذا اليوم 1500 شخص فقط، مما يبرز بوضوح حجم الإخفاق في تحقيق التأثير المطلوب على الأرض.
شارك في فقرة اكتشاف المواهب مجموعة من الأطفال من أبناء القرية، وأدت الموهبة عبد الرحمن مجدي أنشودة “إيه العمل يا أحمد”، وشارك سما عصام بأنشودة “قد جاءنا رمضاننا”، بالإضافة إلى عدد آخر من المشاركين، ولكن مرة أخرى كان التفاعل محدودًا ولم يُحدث الأنشطة أي أثر يذكر.
مقارنة صارخة بين الإنفاق والعائد
إن التفاوت الهائل بين ما تم إنفاقه في سوهاج وما تم في أماكن أخرى يعكس إشكالية جوهرية تتعلق بإهدار المال العام. ففي حين أن تكلفة الفعاليات الثلاثة أيام في سوهاج بلغت 88 ألف وخمسين جنيهًا،
لم تتجاوز تكلفة حفل مشابه في أسيوط 1500 جنيه فقط. هذا الفارق الشاسع في التكاليف يثير تساؤلات حول كيفية إدارة المال العام والشفافية في إنفاق الموارد.
إضافة إلى ذلك، يظهر هذا التناقض بوضوح في مستوى الفعاليات التي قُدمت، حيث لم تتجاوز الأنشطة المتاحة مجرد ورش تقليدية وعروض إنشادية، وهو ما لا يتناسب مع حجم الإنفاق الكبير.
وكان من المتوقع أن تشهد القوافل الثقافية أنشطة أوسع نطاقًا وأكثر تنوعًا تخدم جمهورًا أوسع، إلا أن ما حدث كان مجرد إعادة تكرار لنفس الأنشطة دون تقديم أي جديد.
تقصير وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة
تتحمل وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة مسؤولية واضحة عن هذا الفشل. فالوزارة التي من المفترض أن تكون الرائدة في نشر الثقافة والتعليم بين جميع فئات المجتمع،
أخفقت في تقديم رؤية واضحة ومؤثرة تساهم في الارتقاء بالمستوى الثقافي لسكان القرى والمناطق النائية.