تواجه النساء والفتيات في العالم العربي تحديات مدمرة ومتزايدة بسبب العنف الرقمي الذي يهدد حياتهن الاجتماعية والنفسية. في ظل بيئة متقلبة على منصات التواصل الاجتماعي، تتعرض النساء لمخاطر الابتزاز والتهديدات التي قد تصل إلى تدمير حياتهن.
ووسط هذه المعركة المستمرة ضد العنف الرقمي، ظهرت عدة مبادرات ومنصات إلكترونية تسعى إلى تقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا وتوفير أدوات فعّالة للتصدي لهذه الظواهر، في محاولة لتغيير الوضع القائم الذي يسهم في زيادة الضغط الاجتماعي والنفسي على النساء.
لننظر إلى حالة نور، البالغة من العمر 24 عامًا، التي نشأت في بيئة قاسية مليئة بالعنف الأسري. تروي نور عن تجربتها في طفولتها قائلةً: تعرضت لتهديدات وضغوط نفسية من والدها كانت تؤثر في شخصيتي وتضعفها بشكل متواصل.
وقد ساعدتها حملات التوعية عبر الإنترنت على تغيير نظرتها تجاه نفسها، لتكتسب الثقة في مواجهة التهديدات الإلكترونية التي تتعرض لها النساء يوميًا. وتوضح نور أنه عندما حاول أحد المبتزين في مجموعتها على تطبيق الواتس أب ابتزاز إحدى صديقاتها، واجهته شقيقتها بشجاعة وأصرت على تقديم بلاغ رسمي.
تعد هذه الحالة مجرد مثال واحد من العديد من القصص التي نشهدها يوميًا في العالم العربي، حيث تواصل النساء مقاومتهن ضد التهديدات الرقمية المتزايدة.
وفقًا لدراسة نشرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2020، كشفت الدراسة أن حوالي نصف مستخدمات الإنترنت في ثماني دول عربية يعانين من التحرش الرقمي، وأن 22% منهن تعرضن لابتزاز جنسي عبر الإنترنت. وبالرغم من وجود بعض البوابات الإلكترونية المخصصة للإبلاغ عن حوادث العنف الرقمي، لا تزال معدلات الإبلاغ منخفضة جدًا، وهو ما يعكس ضعف ثقافة المواجهة القانونية بين النساء.
تظهر في مصر إحدى المبادرات البارزة التي تسعى إلى تقديم الحلول العملية لمكافحة العنف الرقمي، وهي مبادرة “قاوم” التي تأسست على يد محمد اليماني.
بدأ اليماني هذه المبادرة خلال فترة جائحة كورونا لمكافحة الابتزاز الإلكتروني، خصوصًا بعد زيادة حالات الانتحار بسبب الضغوط الرقمية. ورغم التحديات التي واجهها اليماني في البداية، إلا أنه استطاع جمع أكثر من مليون ومئتي ألف متابع على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمبادرة، حيث يقوم بتقديم الدعم النفسي والقانوني للأشخاص الذين يتعرضون لتهديدات رقمية. ويشير اليماني إلى أن النجاح يكمن في مساعدة الضحايا على توثيق الجرائم، وتقديم البلاغات الرسمية.
المبادرة لا تقتصر على مجرد التوعية ولكن تقدم حلولًا عملية على أرض الواقع. فمن خلال التفاعل مع المعتدين، تقوم “قاوم” بتطبيق حلول قانونية لتعديل سلوكياتهم، عبر فرض عقوبات معنوية مثل توقيع إقرارات أو حتى متابعة المعتدي للتأكد من عدم تكرار الأفعال.
وتعد منصة “سوبر وومن” إحدى المبادرات المهمة في مجال دعم النساء، التي أطلقتها آية منير في مصر. تأسست هذه المبادرة في عام 2016، وتهدف إلى دعم النساء والفتيات في مواجهة العنف الأسري والرقمي من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
تشير آية إلى أن منصات التواصل الاجتماعي قد ساعدت النساء على تعزيز صوتهن وتسليط الضوء على قضاياهن بشكل أكثر فاعلية. وتذكر أن فترة الإغلاق بسبب جائحة كورونا أسهمت في زيادة النشاط على هذه المنصات، مما ساعد على انتشار المبادرة.
على الرغم من دور هذه المبادرات في تعزيز قدرة النساء على مواجهة العنف الرقمي، إلا أن التحديات تبقى مستمرة. في الأردن، ابتكرت الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح أداة جديدة باسم “نهى”، وهي أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاكتشاف خطاب الكراهية ضد النساء على الإنترنت. تم تصميم هذه الأداة لتحديد اللغة المسيئة تجاه النساء على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. وتوضح يارا الرافعي، الباحثة في الجمعية، أن الأداة تغطي اللهجات المختلفة، وقد تم تدريبها على آلاف الجمل التي تحتوي على تهديدات أو كلمات مسيئة. الهدف من هذه الأداة هو تعزيز قدرة المجتمع على رصد التنمر والعنف الرقمي بشكل أسرع وأكثر دقة.
وفي فلسطين، تلعب التكنولوجيا دورًا حاسمًا في مواجهة العنف الرقمي ضد النساء، لا سيما في ظل الاحتلال الإسرائيلي. يوضح أحمد قاضي، ممثل مركز “حملة” في فلسطين، أن العديد من النساء الفلسطينيات يعانين من العنف الرقمي في ظل الصعوبات المترتبة على الاحتلال. المركز أطلق منصة “حُر” التي توثق حالات العنف الرقمي ضد النساء عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يشارك المركز في حذف الصور المسيئة التي قد تنتشر بشكل واسع بعد الاحتجاجات أو التظاهرات. وعلى الرغم من التحديات الجغرافية والسياسية، يواصل المركز العمل على توفير الأمان الرقمي للنساء الفلسطينيات.
من جانب آخر، في العراق، تتواجد مؤسسة “أنسم” التي تقدم خدمات حماية رقمية للنساء من خلال منصة تتيح لهم التقديم على البلاغات بشكل آمن عبر البريد الإلكتروني أو التطبيقات مثل الواتس أب وسيغنال. وحسب ما توضح آسيا عبد الكريم، منسقة مشاريع المؤسسة، فإن الابتزاز الرقمي وخطاب الكراهية هما أكبر التحديات التي تواجه النساء في العراق، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة.
تظهر هذه المبادرات والمنصات الإلكترونية في عدة دول عربية بمثابة أمل حقيقي للنساء اللواتي يعانين من العنف الرقمي. ورغم وجود بعض التحديات، إلا أن هذه المنصات تسعى إلى تمكين النساء وتغيير الصورة النمطية التي تجعلهن في كثير من الأحيان ضحايا للعنف الرقمي دون أي عقاب للجناة.