تعليق التعليم الحضوري في لبنان بسبب الغارات الإسرائيلية والظروف الأمنية الخطيرة المتفاقمة
في خطوة غير مسبوقة قرّرت الحكومة اللبنانية في مساء يوم الأحد تعليق التعليم الحضوري في جميع المدارس والمعاهد والجامعات في العاصمة بيروت والمناطق المحيطة بها وذلك في ظل التصعيد الخطير في الأوضاع الأمنية الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة على العديد من المناطق اللبنانية.
وبموجب هذا القرار الذي صدر عن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، ستتم استبدال التعليم الحضوري بالتعليم عن بُعد في كافة المؤسسات التعليمية حتى نهاية العام الحالي، وهو ما يعدّ إجراءً اضطرارياً لحماية أرواح الطلاب والكادر التعليمي في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
وفي تصريحات نشرها على وكالة الأنباء الرسمية، أكد الوزير الحلبي أنّ تعليق التعليم الحضوري يشمل جميع المؤسسات التعليمية التي تقع ضمن نطاق “بيروت الإدارية”، بالإضافة إلى مناطق ساحل المتن الشمالي وساحل الشوف وساحل بعبدا، وهو ما يعني أن القرار سيشمل مناطق واسعة في لبنان على الرغم من تنوع المؤسسات التعليمية بين المدارس الخاصة والعامة.
وأشار إلى أن الوزارة قررت أيضاً تمديد العمل بالتعميم الذي ألزم المؤسسات التعليمية الخاصة التي كانت تعتمد التعليم الحضوري بأن توازيه بتعليم عن بُعد على أن يستمر هذا الإجراء حتى نهاية ديسمبر 2024.
ويُفهم من هذا القرار أن الحكومة اللبنانية، من خلال وزارة التربية والتعليم، تحاول التأقلم مع الأوضاع الأمنية المتدهورة وتحاول تقليل المخاطر على الطلاب والهيئات التعليمية والأهالي.
ويأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه لبنان تصعيداً عسكرياً غير مسبوق في تاريخ المنطقة، في ظل الهجمات المتواصلة من قبل الجيش الإسرائيلي التي استهدفت مناطق حيوية في لبنان، وهو ما شكل تهديداً مباشراً للحياة البشرية في العديد من المناطق.
ويُعزى هذا القرار إلى سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت بشكل مباشر مباني سكنية ومرافق حيوية في ضاحية بيروت الجنوبية، مما جعل السلطات اللبنانية تتحرك بسرعة لتوفير الحماية للمدنيين في مناطق لا تزال تعاني من الأضرار الناجمة عن القصف المستمر.
من جهته، أطلق حزب الله اللبناني نحو 250 قذيفة على الأراضي الإسرائيلية في يوم واحد، مما ساهم في تصعيد الوضع العسكري في المنطقة بشكل ملحوظ.
وأدى استمرار العمليات العسكرية إلى استهداف العديد من المنازل والبنى التحتية في بيروت والمناطق المحيطة بها، مما دفع السلطات اللبنانية إلى تحويل عدد من المدارس والمعاهد إلى مراكز لإيواء النازحين.
وجرى استيعاب عشرات الآلاف من الأسر اللبنانية التي فرت من منازلها هرباً من خطر القصف الإسرائيلي، حيث أصبحت المدارس وجهة للعديد من العائلات التي وجدت نفسها بلا مأوى. ويبدو أن هذه الخطوات تعد بمثابة استجابة للأوضاع الإنسانية المتفاقمة في لبنان التي تشهد أزمة مزدوجة من جراء النزاع العسكري والتهديدات المستمرة من الغارات الجوية.
وفي خطوة موازية للأوضاع الأمنية، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن ارتفاع حصيلة القتلى جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منطقة مكتظة بالسكان في وسط بيروت، حيث بلغ عدد القتلى 29 شخصاً، بالإضافة إلى إصابة 67 آخرين بجروح متفاوتة.
وأشارت الوزارة إلى أن الحصيلة قد تتزايد في حال استمرار عمليات إزالة الأنقاض من المباني المتضررة جراء القصف الإسرائيلي. وتعرضت منطقة البسطة في بيروت لضربة جوية عنيفة، حيث تم تدمير مبنى متعدد الطوابق، وهو ما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين في هذا الهجوم الذي وقع بالقرب من البرلمان وقصر الحكومة.
وتشير وزارة الصحة اللبنانية إلى أن إجمالي القتلى في مختلف أنحاء لبنان يوم السبت قد وصل إلى 84 شخصاً، فيما أصيب أكثر من 200 شخص آخرين بجروح، وقد تشمل هذه الأرقام عدد أكبر من الضحايا في الأيام القادمة في حال استمرار العمليات العسكرية في المناطق اللبنانية المتضررة.
وبالرغم من أن الأوضاع الإنسانية في لبنان وصلت إلى حد لا يمكن تحمله، إلا أن الحكومة اللبنانية تبذل جهدها لتوفير المساعدة لمواطنيها في ظل هذه الظروف المأساوية.
إن هذا التصعيد العسكري الخطير وقرار تعليق التعليم الحضوري في لبنان يظهران إلى أي مدى وصل الوضع الأمني في لبنان إلى مرحلة تهدد الاستقرار الداخلي، حيث يضطر المواطنون إلى العيش تحت تهديد مستمر من الغارات الجوية والهجمات العسكرية التي تستهدف المدنيين.
ومن الواضح أن القرار المتخذ من قبل وزارة التربية والتعليم يعكس حجم الخطورة التي تواجهها البلاد، ويعكس أيضاً تعاظم الوضع الإنساني الذي يعاني منه المواطنون نتيجة لهذه الغارات التي لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين.
تعتبر هذه الغارات بمثابة تحدٍّ كبير للبنان في ظل أوضاعه الاقتصادية والسياسية الهشة، إذ تضاف إلى معاناة المواطنين في لبنان الذين يواجهون أزمات متعددة، سواء من خلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة أو الأزمات الصحية الناتجة عن استمرار الحرب وتداعياتها.
كما أن استمرار هذه الغارات من قبل الجيش الإسرائيلي يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في لبنان، خاصةً في ظل عدم وجود أي أفق لحل سياسي قد يوقف هذه الحرب.
إن لبنان يقف اليوم أمام تحديات مصيرية تتطلب تضافر الجهود على كافة الأصعدة سواء في المجال السياسي أو العسكري أو الإنساني.