حقوق وحرياتملفات وتقارير

أربعون يومًا من الجوع: ليلى سويف تتحدى الحكومة المصرية وصمتها المريب

في مشهد يعكس مدى الإهمال الحكومي وفساد الأجهزة الأمنية في مصر، أكملت الناشطة الحقوقية البارزة ليلى سويف يومها الأربعين من إضرابها المفتوح عن الطعام، احتجاجًا على استمرار حبس ابنها الناشط علاء عبد الفتاح.

سويف، التي تبلغ من العمر 68 عامًا، دخلت هذا الإضراب كنوع من التحدي والرفض لسياسات الدولة القمعية التي تتجاهل حقوق المواطنين وتستمر في انتهاك القانون بصورة فاضحة.

رغم تدهور حالتها الصحية يومًا بعد يوم، تصر سويف على المضي قدمًا في معركتها ضد السلطة التي لا تزال تصر على تجاهل قضية علاء عبد الفتاح، ورفضها غير المبرر لاحتساب مدة حبسه الاحتياطي ضمن فترة الحكم الصادر ضده، والذي تجاوز عامين من السجن الجائر.

سويف بدأت إضرابها عن الطعام منذ 30 سبتمبر الماضي، وهو اليوم الذي انتهت فيه المدة القانونية لحبس ابنها. علاء عبد الفتاح، الذي يعتبر رمزًا للنضال السياسي ضد النظام المصري، قد تم سجنه منذ سنوات بتهم ملفقة ترتكز على تكميم الأفواه وقمع الحريات.

ولم تكتف السلطات بهذا، بل إنها لم تلتزم بالقانون حتى في تنفيذ الحكم، حيث تجاوزت مدة حبسه الاحتياطي الحد القانوني دون أن يتم احتسابها ضمن مدة العقوبة، وهو ما دفع والدته للدخول في إضراب مفتوح عن الطعام.

تجاهل متعمد وفساد سياسي

حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي وأجهزتها الأمنية أظهرت تجاهلاً صارخًا لمطالب سويف، ما يثير تساؤلات حول حجم الفساد والتعنت الذي يمارسه النظام ضد النشطاء وأسرهم.

في منشور لها على “فيس بوك”، كتبت سويف: “أنا لما بدأت الاضراب قلت من يوم 30 سبتمبر 2024، أعلن إضرابي عن الطعام كليًا حتى يتم الإفراج عن علاء”. وأوضحت أنها كانت مدركة تمامًا للمخاطر الصحية التي قد تترتب على إضرابها، لكنها اتخذت هذا القرار بعد تفكير طويل، مؤكدةً أنها لن تتراجع عن هذا الموقف حتى تحقيق مطلبها بالإفراج عن ابنها.

هذا التجاهل المتعمد من قبل الحكومة المصرية ليس سوى وجه آخر من أوجه الفساد الذي طالما استشرى في مؤسسات الدولة. فبدلاً من العمل على تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان، تفضل السلطة الحاكمة الاستمرار في سياسات القمع وتكميم الأفواه.

هذه السياسات ليست غريبة على النظام الذي لطالما عرف بتجاوزاته، والذي لا يتردد في استخدام القضاء والأجهزة الأمنية كأدوات للتنكيل بمعارضيه وكتم أصوات المطالبين بالحرية.

إضرابات تضامنية ورسائل تحدٍّ

لم تكن ليلى سويف وحدها في هذه المعركة، فقد قرر عدد من النشطاء والحقوقيين الانضمام إليها في ما سموه بـ “سلسلة إضراب تتابعي”، تضامنًا مع مطلبها الأساسي بالإفراج عن علاء عبد الفتاح.

الطبيبة عايدة سيف الدولة كانت أول المنضمين لهذه السلسلة، حيث أعلنت عبر حسابها على فيسبوك دخولها في إضراب عن الطعام لمدة 24 ساعة. ومن المتوقع أن يتبعها آخرون في الأيام القادمة، مما يعكس مدى التضامن الواسع مع سويف وقضية ابنها.

لكن رغم هذه التحركات، تبدو الحكومة المصرية ماضية في تعنتها وصمتها القاتل، متجاهلة كل هذه الدعوات التي تزداد يومًا بعد يوم.

إن ما يحدث الآن هو تجسيد لمدى الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة، حيث يتم سحق أبسط الحقوق المدنية والقانونية دون أن يكون هناك أي محاسبة فعلية للمسؤولين عن هذه الانتهاكات.

فساد القضاء وأجهزة الأمن

إن القضية لا تقتصر على حبس علاء عبد الفتاح أو إضراب والدته، بل تتعداها إلى ما هو أعمق، حيث تظهر هذه القضية كيف يتم استخدام القضاء والأجهزة الأمنية في مصر كأدوات للقمع السياسي وتصفية الحسابات.

فالقضاء الذي من المفترض أن يكون حصن العدالة وملاذ المظلومين، أصبح اليوم جزءًا من آلة القمع، يشرعن للسلطة انتهاكاتها ويبرر تجاوزاتها.

أين القانون عندما يتم تجاوز مدة الحبس الاحتياطي دون محاسبة؟ كيف يتم تجاهل نصوص القانون الواضحة وتفسيراتها القانونية؟

ولماذا يتم احتجاز علاء عبد الفتاح رغم انتهاء المدة القانونية لحبسه؟ أسئلة كثيرة تدور في أذهان كل من يتابع هذه القضية، لكنها تبقى دون إجابة، في ظل صمت حكومي مخزٍ.

المجتمع الدولي وموقفه الضعيف

على الرغم من الضغوطات الدولية المتزايدة على مصر فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن المجتمع الدولي يبدو عاجزًا أو غير راغب في اتخاذ موقف حاسم ضد هذه الممارسات.

الحكومات الغربية والمنظمات الحقوقية تكتفي بإصدار بيانات الإدانة، دون اتخاذ أي خطوات فعالة للضغط على النظام المصري. هذه الازدواجية في المعايير تسمح للحكومة المصرية بالاستمرار في سياساتها القمعية دون أن تواجه عواقب حقيقية.

النهاية.. إلى متى الصمت؟

إن استمرار إضراب ليلى سويف عن الطعام ليس مجرد احتجاج شخصي، بل هو صرخة في وجه نظام لا يعرف سوى القمع والتجاهل.

إنها صرخة تحمل في طياتها معاناة الآلاف من المعتقلين السياسيين وأسرهم، الذين يقبعون في السجون بسبب آراءهم ومواقفهم السياسية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: إلى متى سيستمر هذا الصمت الحكومي؟ وإلى متى ستظل الحكومة المصرية تمارس فسادها وقمعها دون أي رادع؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى