تقاريرمصر

فساد الحكومة المصرية يعرقل البحث العلمي ويدمر قدرات العلماء رغم الإنجازات العالمية

من المؤسف أن مصر، البلد الذي يتمتع بتراث عريق وثروة بشرية هائلة من العلماء، تظل تعاني من الفساد والتقاعس الحكومي اللذين يعرقلان مسيرة البحث العلمي.

وفي حين حقق عدد من العلماء المصريين نجاحات هائلة على الساحة العالمية، تحتل حكومتهم المركز الأول في عرقلة هذا التقدم من خلال غياب الدعم الفعلي والهيكلي.

التصنيفات العالمية مثل تصنيف جامعة ستانفورد الأمريكية لعام 2024، التي شهدت تواجد عدد كبير من العلماء المصريين ضمن قائمة أفضل 2% من علماء العالم، تكشف عن تناقض صارخ بين الإنجازات الفردية لهؤلاء العلماء والفشل المؤسسي الواضح في توفير بيئة مناسبة للنمو العلمي.

التقاعس الحكومي يظهر بوضوح في غياب الرؤية الحقيقية لتطوير البحث العلمي. ففي ظل النجاحات الفردية التي يحققها علماء مصر في مجالات مختلفة، من العلوم إلى الطب، يقف النظام عاجزا عن توفير البنية التحتية اللازمة أو تمويل المشاريع البحثية بشكل كاف.

وفي الوقت الذي تفتخر فيه الدولة بوجود 100 باحث من مؤسسة معينة و76 من جامعة أخرى في تصنيف ستانفورد، فإن هذا الإنجاز يبدو في معظمه نتاج جهود فردية وشخصية بدلاً من كونه نتيجة لاستراتيجية حكومية متكاملة.

على سبيل المثال، نرى كيف أن أحد العلماء استطاع الوصول إلى العالمية بعدد 205 أبحاث، حيث حصل على جائزة مرموقة من جمعية علمية أمريكية، وتخصص في أمراض نادرة ومهملة مثل مرض المايستوما وفيروس الزيكا.

ومع ذلك، فإن قصته تمثل صورة نموذجية للعالم المصري الذي حقق نجاحاته على الرغم من العقبات الداخلية. هذا العالم بدأ مسيرته منذ عام 2001، وتخرج من واحدة من أكبر الجامعات المصرية، لكنه اعتمد إلى حد كبير على الفرص التعليمية التي وفرتها له الجامعات الأجنبية وليس مؤسسات بلاده.

ورغم أن هناك حديثًا رسميًا حول تطور البحث العلمي في مصر، بما في ذلك اهتمام مزعوم بتمويل الأبحاث وإنشاء جامعات جديدة، فإن الواقع يظهر عكس ذلك تمامًا.

القليل فقط من العلماء الذين يتمكنون من الاستفادة من هذا التمويل، ومعظم المشاريع البحثية ذات الأهمية الحقيقية تظل في إطار النظريات دون أن تتحول إلى تطبيقات عملية. السبب في ذلك يعود إلى غياب الأجهزة والمعدات المتطورة اللازمة لتنفيذ هذه الأبحاث داخل الجامعات والمراكز البحثية المصرية.

ولا تتوقف القصة عند هذا الحد. فساد النظام التعليمي والبحثي في مصر يزيد الطين بلة. بعض العلماء المصريين تحدثوا بصراحة عن كيف أن المحسوبية والواسطة تسيطر على المؤسسات الأكاديمية، وأن تصنيفات عالمية مثل ستانفورد لا تعتمد على أي ترشيحات داخلية من الجامعات المصرية، بل تعتمد على بيانات دقيقة لا تتأثر بهذا النوع من الفساد.

هذا النظام الفاسد يجعل من الصعب على العلماء المصريين الحصول على تمويل محلي لأبحاثهم أو حتى دعم من جامعاتهم.

فيما يتعلق بالبحث العلمي في المجال الطبي، أحد العلماء المصريين نشر ما يقارب 200 بحث دولي حول قضايا مثل حماية الحوامل والأجنة، بما في ذلك دراسات حول تقليل مخاطر النزيف بعد الولادة.

ومع ذلك، بدلاً من أن تحظى هذه الدراسات بالدعم المطلوب من الحكومة أو المؤسسات الصحية المصرية، يضطر العالم للاعتماد على مجلات دولية لنشر أبحاثه. وبدلاً من أن تستفيد مصر من خبراته، يبدو أن الدولة عاجزة عن تفعيل هذه الأبحاث لتحسين نظام الرعاية الصحية المحلي.

ما يزيد الوضع سوءا هو أن العلماء الذين نجحوا في الخارج يواجهون تحديات غير مبررة عند العودة إلى بلادهم. أحد الباحثين تمكن من وضع خريطة عالمية لانتشار فيروس الزيكا، وشارك في مؤتمرات دولية بارزة، لكنه وجد أن البيروقراطية المصرية والفساد في المؤسسات البحثية تشكل عائقا أمام تحويل أبحاثه إلى نتائج ملموسة.

وهذا يعكس تقصيرًا واضحًا في الاستفادة من القدرات العلمية المحلية وتحويلها إلى حلول ملموسة لمشاكل الصحة العامة.

ولا يقتصر الإحباط على العلماء فحسب، بل يمتد إلى الطلاب الذين يسعون للتعلم والتفوق. طالبات إحدى الكليات التي أدرجت ضمن قائمة أفضل 2% من علماء العالم تحدثن عن التحديات التي يواجهنها، حيث يضطر الكثير منهن إلى تمويل أبحاثهن بأنفسهن لعدم وجود دعم كافٍ من الجامعات أو الحكومة.

وهذا الوضع يهدد بإحباط الأجيال الجديدة من الباحثين المصريين ودفعهم إلى البحث عن فرص خارج مصر، مما يساهم في تفاقم نزيف العقول الذي تعاني منه البلاد.

وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن للقيادة المصرية أن تدعي الجدية في تطوير البحث العلمي بدون اتخاذ إجراءات ملموسة. على الرغم من الحديث المتكرر عن دعم العلماء وتطوير الجامعات، لا تزال مصر تعاني من نقص حاد في الأجهزة والمعدات البحثية الأساسية.

ولا تزال الأبحاث العلمية الهامة تُنشر خارج مصر بدلاً من أن تُطبق داخلها، مما يضيع على البلاد فرصًا كبيرة للاستفادة من العقول المصرية.

ورغم كل العقبات التي يواجهها البحث العلمي في مصر، فإن العلماء المصريين يواصلون إثبات قدراتهم عالميا، لكن هذا النجاح الفردي لا يمكن أن يستمر طويلا في ظل بيئة حكومية تتسم بالفساد والتقاعس.

يجب على الدولة أن تتخذ خطوات فورية وجادة لتوفير البنية التحتية اللازمة وتمويل الأبحاث بشكل عادل وشفاف، بدلاً من التفاخر بإنجازات لم تساهم في صنعها. تحتاج مصر إلى نهضة علمية حقيقية تبدأ من دعم العلماء بشكل فعلي وليس مجرد شعارات جوفاء.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى