يتعرض مئات الآلاف من العاملين في مهنة توصيل الطلبات في مصر، الذين يفوق عددهم الـ 6 ملايين، لظروف عمل قاسية ومخاطر جسيمة دون أي حماية من الحكومة أو تأمين اجتماعي يحميهم.
هؤلاء الشباب والفتيات، الذين دخلوا سوق العمل بسبب البطالة المستفحلة، يواجهون يوميًا تهديدات بالوفاة أو الإصابة بسبب تهور بعض سائقي السيارات وتجاهل السلطات للأوضاع المأساوية التي يعيشونها.
كل يوم، يزداد عدد الضحايا الذين يفقدون حياتهم على الطرقات، ودماؤهم تسيل على الإسفلت بلا رادع أو مسؤولية حكومية، بينما تواصل الدولة تجاهل هذه المأساة الإنسانية.
من أبرز هذه المآسي كانت حادثة مروعة في مدينة الشيخ زايد، حيث لقي أحد عمال التوصيل مصرعه دهسًا بسيارة فارهة يقودها أحد أبناء الشخصيات المعروفة.
حادثة أخرى وقعت قبلها بستة أشهر حين تعرض عامل آخر لحادث مماثل على يد نجل شخصية فنية، ما تسبب في إصابة العامل إصابات بليغة انتهت بوفاته.
هذه الحوادث ليست فردية، بل هي جزء من سلسلة مستمرة من حوادث مميتة يتعرض لها عمال الدليفري يوميًا، لكن الدولة لا تتخذ أي إجراءات فعلية لحمايتهم.
أصبح عمال الدليفري ضحايا لظروف اقتصادية قاسية تدفعهم لقبول وظائف غير آمنة تمامًا. فهؤلاء الشباب يعملون لساعات طويلة، يتنقلون على دراجاتهم النارية أو الهوائية في زحام المدن، وفي ظل تجاهل تام من قبل الحكومة لمطالبهم بتأمين اجتماعي يحميهم وعائلاتهم من الفقر بعد تعرضهم لحوادث تعطلهم عن العمل أو تودي بحياتهم. لا يوجد أي اهتمام بحماية هؤلاء العمال رغم تزايد أعدادهم ورغم المخاطر الجسيمة التي يواجهونها بشكل يومي.
يُحكى عن إحدى العاملات، التي ظهرت صورتها وهي تحمل طفليها على دراجتها النارية أثناء توصيل الطلبات. هذه الصورة أثارت تعاطف الكثيرين عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكنها كشفت أيضًا عن مدى الظلم الذي يعيشه هؤلاء العمال. لم تجد تلك الشابة ذات الـ27 عامًا، التي تحمل شهادة جامعية، فرصة عمل في مجال تخصصها، فلجأت للعمل كعاملة توصيل رغم اعتراض عائلتها. ورغم تعرضها لحوادث متكررة وإصابتها بتمزق في الأربطة، لم تتوقف عن العمل لأنها ببساطة لا تملك خيارًا آخر لإعالة طفليها.
أحد طلاب الأزهر، وهو في السنة النهائية من دراسته، اضطر هو الآخر للعمل في هذه المهنة رغم صعوبتها، بحثًا عن لقمة العيش. يتحدث عن ظروف العمل القاسية، من الحر الشديد صيفًا إلى البرد القارس شتاءً، بالإضافة إلى العملاء المتعنتين الذين يتهربون من استلام الطلبات أو يسيئون التعامل مع المندوبين. هذا الشاب الذي يعمل لساعات طويلة يوميًا، يعبر عن إحباطه من الظروف السيئة التي يواجهها مع غياب أي دعم أو حماية من الدولة.
وفي قطاع البرمجيات، يروي مهندس برمجيات قصته مع هذه المهنة التي لجأ إليها بعدما ضاق به سوق العمل. قرر استغلال هوايته في ركوب الدراجة للعمل كعامل توصيل، لكنه لم يكن يتوقع الصعوبات الجسيمة التي سيواجهها. ورغم كل هذا، استمر في العمل ونجح في تأسيس مشروعه الخاص، لكنه يعترف بأن هذه المهنة محفوفة بالمخاطر، من الاعتداءات الجسدية إلى تعطل الدراجة في أماكن نائية.
الأسوأ من ذلك أن بعض الشركات والمحال التجارية تستغل عمال الدليفري بشكل بشع. لا توجد عقود رسمية أو ضمانات اجتماعية للعاملين في هذا المجال، فهم يعملون بلا أي حماية قانونية، ما يجعلهم عرضة للفصل التعسفي في أي لحظة أو تحمل تبعات حوادث الطرق دون أي تعويض. ورغم كل هذه المآسي، لا تزال الدولة تتجاهل معاناتهم.
أحد المدرسين الذي لجأ للعمل كعامل توصيل ليزيد دخله يعترف بصعوبة المهنة لكنه يصر على أن الشقاء جزء من حياته. ورغم مكانة أسرته التعليمية، لم يعترض أحد على عمله كعامل توصيل، لكن المشكلة الكبرى تكمن في غياب التشريعات التي تحمي حقوق هؤلاء العمال من استغلال أصحاب الشركات والمحال التجارية، إذ لا يُعترف بمهنتهم ولا تُعتبر رسمية تحت مظلة القانون.
مطالب هؤلاء العمال بسيطة: تأمين اجتماعي، نقابة تحمي حقوقهم، وقوانين تحميهم من الاستغلال وتضمن لهم حقوقهم في حالة الإصابة أو الفصل التعسفي. لكن للأسف، الحكومة لا تزال غائبة تمامًا عن هذه المعركة. متى ستتحرك السلطات لحماية عمال الدليفري؟ متى ستدرك الدولة أن هؤلاء العمال هم جزء أساسي من الاقتصاد ويستحقون حياة كريمة؟ إلى متى سيظل نزيف دمائهم مستمرًا على الطرقات دون رادع أو حماية؟