في العقد الماضي شهد الاقتصاد المصري تدهورًا غير مسبوق في جميع المؤشرات الحيوية مما يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة الموارد والتخطيط الاقتصادي وهو ما أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين في ظل صعود الدولار وتهاوي قيمة الجنيه
منذ 120 شهرًا كان الدولار الأمريكي يعادل 7 جنيهات مصرية أما الآن فقد تجاوز سعره 49 جنيهًا مما يعني أن قيمة الجنيه انخفضت بنسبة تقترب من 85% وتزامن مع هذا الانخفاض المدمر ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية والخدمات بشكل لا يمكن لأي مواطن تحمله
على سبيل المثال ارتفع سعر لتر البنزين من 90 قرشًا إلى 15 جنيهًا بزيادة تقارب 1600% أما سعر كيلو الأرز فقد قفز من 3 جنيهات إلى 33 جنيهًا بزيادة 1000% وهو أمر غير مسبوق يعكس مدى الفشل الحكومي في السيطرة على الأسعار
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد شهدت أسعار اللحوم ارتفاعًا حادًا من 70 جنيهًا إلى 400 جنيه للكيلوغرام الواحد مما يعني زيادة بنسبة 470% وهو ما جعل الحصول على البروتين الحيواني أمرًا مستحيلًا على معظم الأسر
أما الدواجن فقد ارتفع سعرها من 20 جنيهًا إلى 90 جنيهًا بزيادة تصل إلى 350% ما يعني أن السلع الأساسية أصبحت بعيدة عن متناول الطبقات الفقيرة والمتوسطة وحتى تذكرة المترو ارتفعت من 1 جنيه إلى 12 جنيهًا بزيادة 1100% وهذا بدوره يعكس حالة التضخم التي تسببت في ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون يوميًا
في سياق أعمق لتفهم الأبعاد الكارثية للأزمة تشير التقارير إلى أن معدل التضخم السنوي تجاوز 44% في سبتمبر الماضي مما يضع مصر في مصاف الدول التي تعاني من أعلى نسب التضخم عالميًا وقد جاء هذا الارتفاع نتيجة لسياسات اقتصادية عشوائية افتقرت للتخطيط السليم ولم تتمكن من تحقيق استقرار في السوق المحلي
كذلك فإن الديون الخارجية قفزت من 34 مليار دولار في عام 2013 إلى أكثر من 165 مليار دولار في الوقت الحالي ما وضع ضغوطًا هائلة على الاقتصاد المصري والذي أصبح يعتمد بشكل متزايد على الاقتراض لسد عجز الميزانية المستمر في حين لم تظهر الحكومة أي حلول جادة لتخفيف عبء هذه الديون أو إعادة هيكلة الاقتصاد للخروج من هذا المأزق
معدل البطالة بين الشباب المصريين وصل إلى أكثر من 30% في بعض المناطق ما يشير إلى فشل سياسات الحكومة في توفير فرص عمل حقيقية للشباب وهو ما يعكس انعدام التوجه نحو دعم المشاريع الصغيرة أو تطوير التعليم المهني الذي يمكن أن يساهم في خلق فرص عمل ملائمة للأعداد الكبيرة من الخريجين الذين يدخلون سوق العمل كل عام دون أن يجدوا وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم
وعلى صعيد آخر شهدت أسعار العقارات والإيجارات ارتفاعًا تجاوز 500% خلال العقد الأخير وهو ما جعل امتلاك أو حتى استئجار منزل حلمًا بعيد المنال لمعظم الأسر المصرية التي تعاني بالفعل من تراجع دخلها وانخفاض قدرتها الشرائية بشكل ملحوظ ما يفاقم من أزمة السكن ويضيف المزيد من الأعباء المالية على كاهل المواطن العادي
حتى الخبز الذي كان يمثل الغذاء الأساسي للأسر الفقيرة لم يسلم من هذا الارتفاع الجنوني حيث تضاعف سعر الخبز غير المدعوم أكثر من 10 مرات مما زاد من معاناة الفئات الأكثر هشاشة والتي تعتمد على هذا المصدر الغذائي في تلبية احتياجاتها اليومية
وفي ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة تدهورت جودة الحياة في مصر بشكل عام فقد تراجعت البلاد إلى مراتب متأخرة في معظم مؤشرات التنمية البشرية مثل التعليم والصحة حيث أصبحت هذه الخدمات الأساسية غير متاحة بشكل كاف أو بجودة مناسبة للمواطنين
هذا التراجع الحاد في جودة الحياة ترافق مع انخفاض غير مسبوق في القوة الشرائية للفرد فقد أصبح المواطن المصري غير قادر على تأمين احتياجاته الأساسية مثل الغذاء والمأوى والتعليم والصحة مما أدى إلى تزايد الشعور بالإحباط والغضب تجاه السياسات الاقتصادية الفاشلة التي لم تأخذ في اعتبارها تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية
الأخطر من كل ذلك هو ما يمكن تسميته بـ “أزمة الثقة” بين المواطن المصري والنظام الاقتصادي حيث يشعر المواطنون بأنهم أصبحوا ضحايا لسياسات اقتصادية عشوائية وقرارات غير مدروسة تفتقر إلى الشفافية والكفاءة ما أدى إلى اتساع الفجوة بين الحكومة والمواطنين وزيادة التوتر الاجتماعي
في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة في تبني سياسات تقشفية وفرض المزيد من الضرائب ورفع أسعار الخدمات الأساسية دون تقديم حلول واقعية للأزمة الحالية يبدو أن الأفق الاقتصادي لمصر يزداد قتامة حيث لا توجد أي بوادر لتحسن قريب في مستوى معيشة المواطنين أو تخفيف أعبائهم المالية
الفساد الحكومي الذي ينخر في جميع مؤسسات الدولة كان ولا يزال أحد العوامل الرئيسية وراء هذا التدهور الاقتصادي حيث تظهر التقارير المحلية والدولية استشراء الفساد وسوء الإدارة مما أدى إلى هدر الموارد وتفشي المحسوبية وعدم الكفاءة في جميع المستويات
المواطن المصري الذي كان يأمل في تحسين أوضاعه الاقتصادية بات اليوم يواجه مستقبلًا مجهولًا حيث تستمر الأزمة في التفاقم دون حلول واضحة في الأفق وما لم يحدث تغيير جذري في السياسات الاقتصادية ومكافحة الفساد فإن الوضع لن يتحسن بل سيزداد سوءًا